وأما قوله : " إن سبب ذلك محبة محمد بن أبي بكر ، ومفارقته لأبيه " . لعلي
فكذب بين . وذلك أن في حياة أبيه لم يكن إلا طفلا له أقل من ثلاث سنين ، وبعد موت أبيه كان من أشد الناس تعظيما لأبيه ، وبه كان يتشرف ، وكانت له بذلك حرمة عند الناس . محمد بن أبي بكر
[ ص: 395 ] وأما قوله : " إن سبب قولهم : إنه خال المؤمنين دون لمعاوية محمد ، أن محمدا هذا كان يحب ، عليا كان يبغضه " . ومعاوية
فيقال : هذا كذب أيضا ; فإن [ [ كان ] أحق عبد الله ] بن عمر
[1] بهذا المعنى من هذا وهذا ، وهو لم يقاتل لا مع هذا ، ولا مع هذا ، وكان معظما ، محبا له ، يذكر فضائله ومناقبه ، وكان مبايعا لعلي لما اجتمع عليه الناس غير خارج عليه ، وأخته أفضل من أخت لمعاوية ، وأبوه أفضل من أبي معاوية ، والناس أكثر محبة وتعظيما له من معاوية معاوية ومحمد ، ومع هذا فلم يشتهر عنه أنه خال المؤمنين . فعلم أنه ليس سبب ذلك ما ذكره .
وأيضا فأهل السنة يحبون الذين لم يقاتلوا أعظم مما يحبون من قاتله عليا ، ويفضلون من لم يقاتله على من قاتله ، ، كسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة [2] .
، - رضي الله عنهم - . فهؤلاء أفضل من الذين قاتلوا وعبد الله بن عمر عند أهل السنة . والحب عليا وترك قتاله لعلي [3] .
خير بإجماع أهل السنة من بغضه وقتاله . وهم متفقون على وجوب موالاته ومحبته ، وهم من أشد الناس ذبا عنه ، وردا على من يطعن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب ، لكن لكل مقام مقال .
والرافضة لا يمكنهم أن يثبتوا وجوب موالاته كما يمكن أهل السنة . وأهل السنة متفقون على ذم الخوارج الذين هم أشد بغضا له وعداوة من غيرهم . وأهل السنة متفقون على وجوب قتالهم ، فكيف يفتري المفتري [ ص: 396 ] عليهم بأن قدح هذا لبغضه وذم هذا لحبه عليا عليا [4] .
، مع أنه ليس من أهل السنة من يجعل بغض طاعة ولا حسنة ، ولا يأمر بذلك ، ولا من يجعل مجرد حبه سيئة ولا معصية ، ولا ينهى عن ذلك . علي
وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه ، وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق ، وهم ينكرون على من سبه ، وكارهون لذلك . وما جرى من التساب والتلاعن بين العسكرين ، من جنس ما جرى من القتال . وأهل السنة من أشد [5] .
الناس بغضا وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب ، بل هم كلهم متفقون على أنه أجل قدرا ، وأحق بالإمامة ، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من وأبيه وأخيه الذي كان خيرا منه ، معاوية أفضل ممن هو أفضل من وعلي - رضي الله عنه - ، معاوية ، وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من الذين أسلموا عام الفتح ، وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم ، معاوية أفضل جمهور ن وعلي [6] .
الذين بايعوا تحت الشجرة ، [ بل ] [7] .
هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة ، فليس في أهل السنة من يقدم عليه [ أحدا ] [8] .
غير الثلاثة ، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان ، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار .
[ ص: 397 ] وما في أهل السنة من يقول : إن طلحة والزبير وسعدا أفضل منه ، بل غاية ما قد وعبد الرحمن بن عوف [9] .
يقولون السكوت عن التفضيل بين أهل الشورى ، وهؤلاء أهل الشورى عندهم أفضل السابقين الأولين ، والسابقون [ الأولون ] [10] .
أفضل من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا ، وهم على أصح القولين الذين بايعوا تحت الشجرة عام الحديبية ، وقيل : من صلى [ إلى ] [11] .
القبلتين ، وليس بشيء .
وممن أسلم بعد الحديبية ، خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص وشيبة الحجبي [12] " .
وغيرهم . وأما ، سهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، وابناه وأبو سفيان بن حرب يزيد ، ومعاوية ، وغيرهم ، فهؤلاء مسلمة الفتح . ومن الناس من يقول : إن وصفوان بن أمية - رضي الله عنه - أسلم قبل أبيه ، فيجعلونه من الصنف الأول . معاوية
وقد ثبت في الصحيح أنه كان بين خالد بن الوليد كلام ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وعبد الرحمن بن عوف خالد ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك لا تسبوا أصحابي [13] .
مد أحدهم ولا نصيفه " يا [14] \ 21 .
فنهى ونحوه ، ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل ، أن [ ص: 398 ] يتعرضوا خالدا [15] .
للذين صحبوه قبل ذلك ، وهم الذين أنفقوا من من : ساقطة [16] .
قبل الفتح وقاتلوا ، وبين أن الواحد من هؤلاء لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .
فإذا كان [ هذا ] نهيه [17] .
لخالد [ بن الوليد ] [18] ) .
وأمثاله من مسلمة الحديبية ، فكيف مسلمة [19] .
الفتح الذين لم يسلموا إلا بعد فتح مكة ؟ مع أن أولئك كانوا مهاجرين ; فإن خالدا ونحوهما ممن أسلم بعد الحديبية ، وقبل فتح وعمرا مكة ، وهاجر إلى المدينة ، هو [20] .
من المهاجرين . وأما الذين أسلموا بعد فتح مكة فلا هجرة لهم ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ، وإذا استنفرتم فانفروا لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية " رواه البخاري [21] .
.
ولهذا كان إذا أتي بالواحد من هؤلاء ليبايعه بايعه على الإسلام ولا يبايعه على الهجرة . ومن هؤلاء أكثر بني هاشم ، كعقيل بن أبي طالب ، [ ص: 399 ] وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب [22] .
، وكذلك ; فإنه أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق وهو ذاهب إلى العباس مكة ، لم يصل إلى المدينة . وكذلك ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، [ وهذا غير أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ] أبي سفيان بن حرب [23] .
، وكان شاعرا يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأدركه في الطريق ، وكان ممن حسن إسلامه ، وكان هو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين [ لما انكشف الناس آخذين ببغلته ] والعباس [24] .
. فإذا كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة ، كما دل عليه الكتاب والسنة ، وهم متفقون على تأخر وأمثاله من مسلمة الفتح عمن أسلم بعد الحديبية ، وعلى تأخر هؤلاء عن السابقين الأولين أهل الحديبية ، وعلى أن البدريين أفضل من غير البدريين معاوية [25] .
، وعلى أن أفضل من جماهير هؤلاء - لم يقدم عليه أحد غير الثلاثة ، فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته عليا ، أو تقديم بمعاوية عليه ؟ . معاوية
نعم مع طائفة كثيرة معاوية [26] .
من المروانية وغيرهم ، كالذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم ، يقولون : إنه كان في قتاله على الحق مجتهدا مصيبا ، وأن ومن معه كانوا إما ظالمين وإما مجتهدين عليا [27] مخطئين . وقد صنف [ ص: 400 ] لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب " المروانية " الذي صنفه الجاحظ [28] .
، وطائفة وضعوا فضائل ورووا أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كلها كذب ، ولهم [ في ذلك ] لمعاوية [29] .
حجج طويلة ليس هذا موضعها .
ولكن هؤلاء عند أهل السنة مخطئون في ذلك ، وإن كان خطأ الرافضة أعظم [ من خطئهم ] [30] .
. ولا يمكن الرافضة أن ترد [31] .
على هؤلاء بحجة صحيحة مع اعتقادهم مذهب الإمامية ، فإن حجج الإمامية متناقضة ، يحتجون بالحجج [32] .
التي ينقضونها في موضع آخر ، ويحتجون بالحجة العقلية أو السمعية مع دفعهم لما هو أعظم منها ، بخلاف أهل السنة فإن حججهم صحيحة مطردة ، كالمسلمين مع [ النصارى وغيرهم من ] [33] .
أهل الكتاب ، فيمكن لأهل [34] .
السنة الانتصار ممن يذمه [ ويسبه ] لعلي [35] .
أو يقول : إن الذين قاتلوه كانوا أولى بالحق منه ، كما يمكن المسلمين أن ينصروا المسيح [36] .
ممن كذبه من اليهود وغيرهم ، بخلاف النصارى [ ص: 401 ] فإنهم [37] .
لا يمكنهم نصر قولهم في المسيح بالحجج العلمية على من كذبه من اليهود وغيرهم .