الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قول القائل : " إن عليا بدأهم بالقتال " .

                  قيل له [1] .

                  : وهم أولا امتنعوا [2] .

                  من طاعته ومبايعته ، وجعلوه ظالما مشاركا [3] .

                  في دم [4] .

                  عثمان ، وقبلوا عليه شهادة الزور ، ونسبوه إلى ما هو بريء منه .

                  وإذا قيل [5] .

                  : هذا وحده لم يبح له [6] .

                  قتالهم .

                  [ ص: 411 ] قيل : ولا كان قتاله مباحا لكونه عاجزا عن قتل قتلة عثمان ، بل لو كان قادرا على قتل قتلة عثمان وقدر أنه ترك هذا الواجب : إما متأولا وإما مذنبا ، لم يكن ذلك موجبا لتفريق الجماعة ، والامتناع عن مبايعته ، ولمقاتلته ن : ومقاتلته .

                  ، بل كانت مبايعته على كل حال [7] .

                  ، أصلح في الدين ، وأنفع للمسلمين ، وأطوع لله ولرسوله من ترك مبايعته .

                  فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله يرضى لكم ثلاثا : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم " [8] .

                  .

                  وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " على المرء المسلم السمع والطاعة في : عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وأثرة عليه ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " [9] .

                  .

                  وفي الصحيحين عن عبادة - رضي الله عنه - قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة : في يسرنا وعسرنا ، ومنشطنا ومكرهنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول - أو نقوم - بالحق حيث ما كنا [10] .

                  ، لا نخاف في الله لومة لائم
                  " [11] .

                  . وفي الصحيح عن [ ص: 412 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من رأى من أمير شيئا يكرهه فليصبر عليه ; فإنه من فارق الجماعة قيد شبر [ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " . وفي رواية : فارق الجماعة قيد شبر ] [12] .

                  فمات فميتته [ ميتة ] [13] .

                  جاهلية
                  " [14] \ 113 .

                  .

                  وفي الصحيح من حديث ابن عمر [15] .

                  - رضي الله عنه - قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " [16] \ 561 .

                  .

                  وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [17] ) .

                  : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة [18] .

                  ، ولا يزكيهم ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : رجل لا يبايع إماما إلا لدنيا : إن أعطاه منها رضي وإن منع سخط
                  . . " الحديث . [19] . .

                  [ ص: 413 ] وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " [20] \ 382 .

                  .

                  وعلي - رضي الله عنه - كان قد بايعه أهل الكوفة [21] .

                  ، ولم يكن في وقته أحق منه بالخلافة ، وهو خليفة راشد تجب طاعته . [ ومعلوم أن قتل القاتل إنما شرع عصمة للدماء ، فإذا أفضى قتل الطائفة القليلة إلى قتل أضعافها ، لم يكن هذا طاعة ولا مصلحة ، وقد قتل بصفين أضعاف أضعاف قتلة عثمان ] [22] .

                  .

                  وأيضا فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " [23] \ 306 .

                  يدل على أن عليا وأصحابه أدنى إلى الحق من معاوية وأصحابه ، [ فلا يكون معاوية وأصحابه في قتالهم لعلي أدنى إلى الحق ] [24] .

                  .

                  وكذلك حديث عمار [ بن ياسر ] [25] .

                  ت : " تقتلك الفئة الباغية " قد رواه [ ص: 414 ] مسلم في صحيحه من غير وجه ، ورواه البخاري ، لكن في كثير من النسخ لم يذكره تاما [26] .

                  . وأما تأويل من تأوله : أن عليا وأصحابه قتلوه ، وأن الباغية الطالبة بدم عثمان ; فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد ، التي يظهر فسادها للعامة والخاصة . والحديث ثابت في الصحيحين ، وقد صححه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة ، وإن كان قد روي عنه أنه ضعفه ، فآخر الأمرين منه تصحيحه [27] .

                  .

                  قال يعقوب بن شيبة في مسنده [ في المكيين ] [28] .

                  في مسند عمار بن ياسر ، لما ذكر أخبار عمار : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمار : " تقتلك الفئة الباغية " فقال أحمد : قتلته [29] .

                  الفئة الباغية ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال : في هذا غير حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا . وقال البخاري في صحيحه : 1 [30] . " حدثنا مسدد ، حدثنا عبد العزيز بن [ المختار ] [31] .

                  ، حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة ، قال : [ ص: 415 ] قال لي ابن عباس ولابنه [32] .

                  : انطلقا إلى أبي سعيد واسمعا من حديثه ، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه ، فأخذ رداءه فاحتبى ، ثم أنشأ يحدثنا ، حتى أتى على ذكر بناء المسجد ، فقال : كنا نحمل لبنة لبنة ، وعمار لبنتين لبنتين ، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل ينفض التراب عنه ، ويقول : " ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار " قال : يقول عمار : أعوذ بالله من الفتن
                  .

                  ورواه البخاري من وجه آخر 4 [33] ) . ، عن عكرمة ، عن أبي سعيد الخدري [34] " .

                  ، لكن في كثير من النسخ لا يذكر الحديث بتمامه ، بل فيها : " ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " . ولكن لا يختلف أهل العلم بالحديث أن هذه الزيادة هي في الحديث .

                  قال أبو بكر البيهقي وغيره : " قد رواه غير واحد عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - " . وظن البيهقي وغيره أن البخاري لم يذكر الزيادة ، واعتذر عن ذلك بأن هذه الزيادة لم يسمعها [ ص: 416 ] أبو سعيد من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن حدثه بها أصحابه ، مثل أبي قتادة [35] .

                  .

                  كما رواه مسلم في صحيحه [36] .

                  من حديث شعبة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد [37] .

                  ، قال : أخبرني من هو خير مني : أبو قتادة [38] .

                  ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار : " تقتلك الفئة الباغية " .

                  وفي حديث داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " تمرق مارقة فتقتلهم أولى الطائفتين بالله " [39] .

                  .

                  وكان عمار يحمل لبنتين لبنتين . قال : فلم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن جئت إلى أصحابي وهم يقولون : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ويحك ابن سمية تقتلك الفئة الباغية " [40] .

                  رواه مسلم [ ص: 417 ] في صحيحه والنسائي وغيرهما من حديث ابن عون ، عن الحسن البصري ، عن أمه ، عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تقتل عمارا الفئة الباغية " [41] .

                  . ورواه أيضا من حديث شعبة ، عن خالد ، عن سعيد بن أبي الحسن ، والحسن ، عن أمهما [42] .

                  ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - [43] .

                  . وفي بعض طرقه أنه قال ذلك في حفر الخندق [44] .

                  .

                  وذكر البيهقي وغيره أن هذا غلط . والصحيح أنه إنما قاله يوم بناء المسجد . وقد قيل : إنه يحتمل أنه قاله مرتين .

                  وقد روي هذا من وجوه أخرى من حديث عمرو بن العاص وابنه عبد الله [45] .

                  ، ومن حديث عثمان بن عفان [46] - .

                  ، ومن حديث عمار نفسه [47] .

                  . وأسانيد هذه مقاربة [48] .

                  . وقد روي من وجوه أخرى واهية . وفي الصحيح ما يغني عن غيره .

                  [ ص: 418 ] والحديث ثابت صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بالحديث

                  [49] ، والذين قتلوه هم الذين باشروا قتله . والحديث أطلق فيه لفظ " البغي " لم يقيده بمفعول ، كما قال تعالى : (لا يبغون عنها حولا ) سورة الكهف ، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا " [50] .

                  .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية