( فصل ) ر ، ص ، ه : الفصل الحادي والثلاثون .
.
قال الرافضي [1]
: " ولما قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنفذه لقتال أبو بكر أهل اليمامة قتل منهم ألفا ومائتي نفر [2] .
مع تظاهرهم بالإسلام ، وقتل مالك بن نويرة صبرا
[3] وهو مسلم ، وعرس
[4] بامرأته
[5] ، وسموا بني حنيفة أهل الردة ؛ لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى ؛ لأنهم لم يعتقدوا إمامته ، واستحل دماءهم وأموالهم ونساءهم ك : دمائهم وأموالهم ونسائهم . أبي بكر
حتى أنكر عليه ، فسموا عمر ، ولم يسموا من استحل دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين مرتدا ، مع أنهم سمعوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : مانع الزكاة مرتدا يا [ ص: 490 ] حربك حربي ، وسلمك سلمي حربك علي [6] .
، ومحارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافر بالإجماع " .
والجواب بعد أن يقال : الله أكبر على هؤلاء المرتدين المفترين ، أتباع المرتدين * الذين برزوا بمعاداة الله ورسوله وكتابه ودينه ، ومرقوا من الإسلام ونبذوه وراء ظهورهم ، وشاقوا الله ورسوله وعباده المؤمنين ، وتولوا أهل الردة والشقاق * [7] . ، فإن هذا الفصل وأمثاله من كلامهم يحقق أن هؤلاء القوم المتعصبين على - رضي الله عنه - وحزبه [ من أصولهم ] الصديق [8] من جنس المرتدين الكفار ، كالمرتدين الذين قاتلهم الصديق - رضي الله عنه - .
وذلك أن أهل اليمامة هم بنو حنيفة الذين كانوا قد آمنوا بمسيلمة الكذاب ، الذي ادعى النبوة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان قد قدم المدينة وأظهر الإسلام ، وقال : إن جعل محمد لي [9] الأمر من بعده آمنت به . ثم لما صار إلى اليمامة ادعى أنه شريك النبي - صلى الله عليه وسلم - في النبوة ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقه على ذلك ، وشهد له الرجال بن عنفوة [10] .
. وكان قد صنف قرآنا يقول فيه : " والطاحنات طحنا ، فالعاجنات عجنا ، فالخابزات خبزا ، إهالة وسمنا ، إن الأرض بيننا وبين [ ص: 491 ] قريش نصفين ولكن قريشا قوم لا يعدلون " . [ ( * ومنه قوله لعنه الله : " يا ضفدع بنت ضفدعين ، نقى كم تنقين ، لا الماء تكدرين ، ولا الشارب تمنعين ، رأسك في الماء وذنبك في الطين " ] [11] . ومنه قوله لعنه الله : " الفيل ، وما أدراك ما الفيل ، له زلوم [12]
طويل ، إن ذلك من خلق ربنا الجليل " [13]
ونحو ذلك من الهذيان السمج الذي قال فيه - رضي الله عنه - لقومه لما قرءوه عليه : " ويلكم أين الصديق [14] .
يذهب بعقولكم ، إن هذا كلام لم يخرج من إل
* [15] [16] .
وكان هذا الكذاب قد كتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله . أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك " . فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب " . فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليه أبو بكر فقاتله بمن معه من المسلمين ، بعد أن قاتل [ ص: 492 ] خالد بن الوليد خالد بن الوليد طليحة الأسدي ، الذي كان أيضا قد ادعى النبوة ، واتبعه طوائف من أهل نجد . فلما نصر الله المؤمنين على هؤلاء وهزموهم ، وقتل ذلك اليوم عكاشة بن محصن الأسدي ، وأسلم بعد ذلك طليحة الأسدي هذا ، ذهبوا [17]
بعد ذلك إلى قتال مسيلمة الكذاب باليمامة ، ولقي المؤمنون في حربه شدة عظيمة ، وقتل في حربه طائفة من خيار الصحابة
[18] مثل زيد بن الخطاب ، وثابت بن قيس بن الشماس
[19] ، وغيرهم وأسيد بن حضير [20] .
وفي الجملة فأمر مسيلمة الكذاب وادعاؤه النبوة واتباع بني حنيفة له باليمامة ، وقتال لهم على ذلك ، أمر متواتر مشهور ، قد علمه الخاص والعام ، كتواتر أمثاله . وليس هذا من العلم الذي تفرد به الخاصة ، بل علم الناس بذلك أظهر من علمهم بقتال الجمل الصديق وصفين ، فقد ذكر عن بعض أهل الكلام أنه أنكر الجمل وصفين ، وهذا الإنكار - وإن كان باطلا - فلم نعلم أحدا ص : أن أحدا .
أنكر قتال أهل اليمامة ، وأن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة ، وأنهم قاتلوه
[21] على ذلك .
[ ص: 493 ] لكن هؤلاء الرافضة من جحدهم لهذا
[22] وجهلهم به بمنزلة إنكارهم لكون [23] أبي بكر دفنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنكارهم لموالاة وعمر [24] أبي بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ودعواهم أنه نص على وعمر بالخلافة . بل منهم من ينكر أن تكون علي زينب ورقية من بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقولون : إنهن وأم كلثوم من زوجها الذي كان كافرا قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - . لخديجة
ومنهم من يقول : إن غصب بنت عمر حتى زوجه بها ، وأنه تزوج غصبا في الإسلام . ومنهم من يقول : إنهم بعجوا بطن علي حتى أسقطت ، وهدموا سقف بيتها على من فيه ، وأمثال هذه الأكاذيب التي يعلم من له أدنى علم ومعرفة أنها كذب ، فهم دائما يعمدون إلى الأمور المعلومة المتواترة ينكرونها ، وإلى الأمور المعدومة التي لا حقيقة لها يثبتونها . فلهم أوفر نصيب من قوله تعالى : ( فاطمة ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق ) سورة العنكبوت فهم يفترون الكذب ويكذبون بالحق ، وهذا حال المرتدين .
وهم يدعون أن أبا بكر ومن اتبعهما ارتدوا عن الإسلام وعمر [25]
. وقد علم الخاص والعام أن هو الذي قاتل المرتدين أبا بكر ، فإذا كانوا يدعون أن أهل اليمامة مظلومون قتلوا بغير حق ، وكانوا منكرين لقتال أولئك [ ص: 494 ] متأولين لهم ، كان هذا مما يحقق أن هؤلاء الخلف تبع لأولئك السلف ، وأن وأتباعه يقاتلون المرتدين في كل زمان . الصديق
وقوله : " إنهم سموا بني حنيفة مرتدين ، لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى " . أبي بكر
فهذا من أظهر الكذب وأبينه ; فإنه إنما قاتل بني حنيفة لكونهم آمنوا بمسيلمة الكذاب ، واعتقدوا نبوته . وأما مانعو الزكاة فكانوا قوما آخرين غير بني حنيفة . وهؤلاء كان قد وقع لبعض الصحابة شبهة في جواز قتالهم . وأما بنو حنيفة فلم يتوقف أحد في وجوب قتالهم
[26] . وأما مانعو الزكاة - رضي الله عنه - قال : يا خليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا قالوها عمر بن الخطاب
[27] عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " . فقال له : ألم يقل : " إلا بحقها " فإن الزكاة من حقها . والله لو منعوني [ عناقا أو ] أبو بكر [28] عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه " فإن [29] .
[ ص: 495 ] وهؤلاء لم يقاتلوهم لكونهم لم يؤدوها إلى ; فإنهم لو الصديق [30] .
ولم يؤدوها إليه لم يقاتلهم هذا قول جمهور العلماء ، كأبي حنيفة وأحمد وغيرهما . وقالوا : إذا قالوا : نحن نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام ، لم يكن له قتالهم . فإن أعطوها بأنفسهم لمستحقيها - رضي الله عنه - لم يقاتل أحدا على طاعته ، ولا ألزم أحدا بمبايعته . ولهذا لما تخلف عن بيعته الصديق سعد [31]
لم يكرهه على ذلك .
فقول القائل : " بني حنيفة أهل الردة لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر ، لأنهم لم يعتقدوا إمامته " من أظهر الكذب والفرية . وكذلك قوله : " إن سموا أنكر قتال عمر بني حنيفة " .