( فصل )
[1] .
قال الرافضي
[2] : " وسموا سيف الله خالد بن الوليد عنادا لأمير المؤمنين ، الذي هو أحق بهذا الاسم ، حيث
[3] قتل بسيفه الكفار ، وثبت بواسطته قواعد الدين
[4] ، وقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيف الله وسهم الله . وقال علي على المنبر : أنا سيف الله على أعدائه ، ورحمته علي
[5] لأوليائه .
لم يزل عدوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكذبا له ، وهو كان السبب في قتل المسلمين يوم وخالد أحد ، وفي كسر رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي قتل حمزة
[6] عمه ، ولما تظاهر بالإسلام بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بني جذيمة ليأخذ منهم [ ص: 477 ] الصدقات ، فخانه وخالفه على أمره وقتل المسلمين ،
[7] بالإنكار عليه رافعا يديه
[8] إلى السماء حتى شوهد بياض إبطيه ، وهو يقول : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع " خالد ، ثم أنفذ إليه بأمير المؤمنين لتلافي فارطه فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه خطيبا
[9] ، وأمره بأن
[10] يسترضي القوم من فعله " ك : القوم ففعل .
.
فيقال : أما تسمية بسيف الله فليس هو مختصا به ، بل هو " سيف من سيوف الله سله الله على المشركين " هكذا جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم خالد [11] . - والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أول من سماه بهذا [ ص: 478 ] الاسم ، كما ثبت في صحيح من حديث البخاري ، عن أيوب السختياني ، عن حميد بن هلال - رضي الله عنه - أنس بن مالك زيدا وجعفرا للناس قبل أن يأتيه خبرهم ، فقال : " أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها وابن رواحة جعفر فأصيب ، ثم أخذها فأصيب ، وعيناه تذرفان ، حتى أخذها سيف من سيوف الله خالد ابن رواحة
[12] حتى فتح الله عليهم " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى [13] .
.
، بل هو يتضمن أن سيوف الله متعددة ، وهو واحد منها . ولا ريب أن وهذا لا يمنع أن يكون غيره سيفا لله تعالى قتل من الكفار أكثر مما قتل غيره ، وكان خالدا سعيدا في حروبه ، وهو أسلم قبل فتح مكة بعد الحديبية ، هو ، وعمرو بن العاص ، وغيرهم . ومن حين أسلم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤمره في الجهاد ، وخرج في غزوة وشيبة بن عثمان مؤتة التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " أميركم زيد ، فإن قتل فجعفر ، فإن قتل [ ص: 479 ] فعبد الله بن رواحة
[14] . وكانت قبل فتح مكة ، ولهذا لم يشهد هؤلاء فتح مكة ، فلما قتل هؤلاء الأمراء أخذ الراية من غير إمرة ، ففتح الله على يديه ، وانقطع في يده خالد بن الوليد
[15] يوم مؤتة تسعة أسياف ، وما ثبت معه إلا صفيحة يمانية . رواه البخاري ومسلم
[16] . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره يوم فتح مكة ، وأرسله إلى هدم العزى ، وأرسله إلى بني جذيمة ، وأرسله إلى غير هؤلاء ، وكان أحيانا يفعل ما ينكره عليه ، كما فعل يوم بني جذيمة ، وتبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك
[17] .
ثم إنه مع هذا لا يعزله ، بل يقره على إمارته . وقد اختصم هو يوم وعبد الرحمن بن عوف بني جذيمة ، حتى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " . لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه
وأمره على قتال أهل الردة ، وفتح أبو بكر العراق ، والشام ، فكان من أعظم الناس غناء
[18] في قتال العدو . وهذا أمر لا يمكن أحد
[19] إنكاره . فلا ريب إنه سيف من سيوف الله سله الله على المشركين .
[ ص: 480 ] وأما قوله : " علي أحق بهذا الاسم " .
فيقال : أولا : من الذي نازع في ذلك ؟ ومن قال : إن لم يكن سيفا من سيوف الله ؟ أ ، ب : لم يكن سيفا لله . عليا
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ثبت في الصحيح يدل على أن لله سيوفا متعددة ، ولا ريب أن من أعظمها . وما في المسلمين من يفضل عليا على خالدا ، حتى يقال : إنهم جعلوا هذا مختصا علي بخالد . والتسمية بذلك وقعت من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح ، فهو - صلى الله عليه وسلم - الذي قال : سيف من سيوف الله . خالدا إن
ثم يقال : ثانيا : أجل قدرا من علي ، وأجل من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله ; فإن خالد له من العلم والبيان والدين والإيمان والسابقة عليا [20] .
ما هو به أعظم من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله ; فإن السيف خاصته القتال
[21] ، كان القتال وعلي [22]
أحد فضائله ; بخلاف فإنه كان هو فضيلته التي تميز بها عن غيره ، لم يتقدم بسابقة ولا كثرة علم ولا عظيم خالد [23] .
زهد ، وإنما تقدم بالقتال ; فلهذا عبر عن بأنه سيف من سيوف الله . خالد
وقوله : " إن قتل بسيفه الكفار " . عليا
[ ص: 481 ] فلا ريب أنه لم يقتل إلا بعض الكفار . وكذلك سائر المشهورين بالقتال من الصحابة ، كعمر والزبير وحمزة والمقداد وأبي طلحة وغيرهم - رضي الله عنهم - ، ما منهم من أحد إلا قتل بسيفه طائفة من الكفار . والبراء بن مالك قتل مائة رجل مبارزة ، غير من شرك في دمه والبراء بن مالك [24]
.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة [25]
. وقال : " الزبير " إن لكل نبي حواري ، وإن حواري [26] . وكلا الحديثين في الصحيح .
وفي المغازي أنه قال يوم لعلي أحد ، لما قال عن السيف لفاطمة [27]
: " " : " اغسليه غير ذميم " إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان [28] .
[ ص: 482 ] وقال عن : [ " البراء بن مالك البراء بن مالك " ] إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ، منهم
[29] . وكانوا يقولون في المغازي للبراء بن مالك : يا براء أقسم على ربك ، فيقسم على ربه فيهزم [30] ثم في آخر غزوة غزاها قال : " أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم ، وجعلتني أول شهيد " فاستشهد - رضي الله عنه -
[31] [32] .
[ ص: 483 ] وكان - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بصعاليك المهاجرين [33]
.
ومع هذا فعلي أفضل من البراء [ بن مالك ] [34] وأمثاله ، فكيف لا يكون أفضل من ؟ ! . خالد
وأما قوله : " وقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيف الله وسهم الله علي " .
فهذا الحديث لا يعرف في شيء من كتب الحديث ، ولا له إسناد معروف [35] .
، ومعناه باطل ; فإن ليس هو وحده سيف الله وسهمه . وهذه العبارة يقتضي ظاهرها الحصر . عليا
[ ص: 484 ] والذي في الصحيح أن قال يوم أبا بكر حنين : لاها الله [36] .
، إذن لا نعمد [37] إلى أسد من أسود الله تعالى يقاتل عن الله عز وجل وعن رسوله فنعطيك [38]
سلبه .
فإن أريد بذلك أن وحده سيف الله وسهم الله عليا [39] ، فهذا باطل . وإن أريد به أنه سيف من سيوف الله ، أجل من ذلك وأفضل ، وذلك بعض فضائله . فعلي
وكذلك ما نقل عن - رضي الله عنه - أنه قال على المنبر : " أنا سيف الله على أعدائه ورحمته علي [40] لأوليائه " .
فهذا لا إسناد له ، ولا يعرف له صحة . لكن إن كان قاله فمعناه صحيح ، وهو قدر مشترك بينه وبين أمثاله .
قال الله تعالى فيهم [41] .
1 : ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) سورة الفتح ، وقال : ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) سورة المائدة .
وكل من المهاجرين المجاهدين كان سيفا على أعداء الله ورحمة لأولياء الله [42] .
. ولا يجوز أن يريد : إني أنا وحدي سيف الله ، وأنا وحدي رحمة [ ص: 485 ] على [43] . .
أولياء الله ; فإن هذا من الكذب الذي يجب تنزيه عن عن : علي [44] أن يقوله .
وإن أريد أنه في ذلك أكمل من غيره ; فالحصر للكمال ، فهذا صحيح في زمنه . وإلا فمعلوم [45] أن كان قهره للكفار أعظم ، وانتفاع المؤمنين به أعظم عمر . وهذا مما يعرفه [46] كل من عرف السيرتين ; فإن المؤمنين جميعهم حصل لهم بولاية - رضي الله عنه - من الرحمة في دينهم ودنياهم ما لم يحصل شيء منه بولاية عمر ، وحصل لجميع أعداء الدين علي [47] من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين من القهر والقتل والذل بولاية - رضي الله عنه - ما لم يحصل شيء منه بولاية عمر . هذا أمر معلوم للخاصة والعامة ، ولم يكن في خلافة علي [ للمؤمنين ] علي
[48] الرحمة التي كانت في زمن عمر ، بل كانوا يقتتلون ويتلاعنون ، ولم يكن لهم على الكفار سيف ، بل الكفار كانوا قد طمعوا فيهم ، وأخذوا منهم أموالا وبلادا ، فكيف يظن مع هذا تقدم وعثمان في هذا الوصف على علي عمر ؟ . وعثمان
ثم الرافضة يتناقضون ، فإنهم يصفون بأنه كان هو الناصر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لولا هو لما قام دينه ، ثم يصفونه بالعجز والذل المنافي لذلك . عليا
[ ص: 486 ] وأما قوله : " لم يزل عدوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكذبا له " . وخالد
فهذا كان قبل إسلامه ، كما كان الصحابة كلهم مكذبين له قبل الإسلام ، من بني هاشم وغير بني هاشم [49] ، مثل ، وأخيه أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ربيعة ، عمه ، وحمزة ، وغيرهم . وعقيل
وقوله : " وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بني جذيمة ليأخذ منهم الصدقات ، فخانه وخالفه على أمره [50]
وقتل المسلمين ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبا بالإنكار عليه رافعا يديه إلى السماء حتى شوهد بياض إبطيه ، وهو يقول : " خالد " ثم أنفذ إليه بأمير المؤمنين لتلافي فارطه اللهم إني أبرأ إليك مما صنع
[51] ، وأمره أن يسترضي القوم من فعله " .
فيقال : هذا النقل فيه من الجهل والتحريف ما لا يخفى على من يعلم السيرة ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسله إليهم بعد فتح مكة ليسلموا ، فلم يحسنوا أن يقولوا : أسلمنا ، فقالوا : صبأنا صبأنا ، فلم يقبل ذلك منهم ، وقال : إن هذا ليس بإسلام ، فقتلهم ، فأنكر ذلك عليه من معه من أعيان الصحابة ، كسالم مولى أبي حذيفة ، ، وغيرهما . ولما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه وعبد الله بن عمر [52]
إلى السماء وقال : [ ص: 487 ] " [53] خالد " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع [54] . لأنه خاف أن يطالبه الله بما جرى عليهم من العدوان . وقد قال تعالى : ( فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون ) سورة الشعراء ، ثم أرسل ، وأرسل معه مالا ، فأعطاهم نصف الديات ، وضمن لهم ما تلف حتى ميلغة الكلب ، ودفع إليهم ما بقي احتياطا لئلا يكون بقي شيء لم يعلم به عليا [55] .
.
ومع هذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعزل عن الإمارة خالدا [56] ، بل ما زال يؤمره ويقدمه ؛ لأن الأمير إذا جرى منه خطأ أو ذنب أمر بالرجوع عن ذلك ، وأقر على ولايته ، ولم يكن معاندا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل كان مطيعا له ، ولكن لم يكن في الفقه والدين بمنزلة غيره ، فخفي عليه حكم هذه القضية خالد
[57] .
ويقال : إنه كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، وكان ذلك مما حركه على قتلهم . كان رسولا في ذلك . وعلي
[ ص: 488 ] وأما قوله : " إنه أمره أن يسترضي القوم من فعله " .
فكلام جاهل ; فإنما أرسله لإنصافهم وضمان ما تلف لهم ، لا لمجرد الاسترضاء .
وكذلك قوله عن : " إنه خانه وخالف أمره وقتل المسلمين " . خالد
كذب على ; فإن خالد لم يتعمد خيانة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا مخالفة أمره ، ولا قتل من هو مسلم معصوم عنده ، ولكنه أخطأ كما أخطأ خالدا في الذي قتله بعد أن قال : لا إله إلا الله ، وقتل السرية لصاحب الغنيمة الذي قال : أنا مسلم ، فقتلوه وأخذوا غنمه أسامة بن زيد [58]
وأنزل الله في ذلك : ( ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ) سورة النساء .
وفي صحيح وغيره عن مسلم قال ، أسامة بن زيد الحرقات من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم قال : " ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري ، وطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا [ المدينة ] المدينة :
[59] بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي : " يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها متعوذا .
[ ص: 489 ] قال : " فقتله بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى [60]
.