الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فيقال : هذا الكلام فيه من الجهل والضلال والخروج عن دين الإسلام وكل دين ، بل وعن العقل الذي يكون لكثير من الكفار ، ما لا يخفى عن من تدبره .

                  أما أولا : فلأن

                  [1] إبليس أكفر من كل كافر ، وكل من دخل النار فمن أتباعه . كما قال تعالى : ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) سورة ص وهو الآمر [ لهم ]

                  [2] بكل قبيح المزين له ، فكيف يكون أحد شرا منه ؟ لا سيما من المسلمين ، لا سيما من الصحابة ؟ .

                  وقول هذا القائل : " شر من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعة ، وجرى معه في ميدان المعصية "

                  [3] يقتضي أن كل من عصى الله فهو شر من إبليس ، لأنه لم يسبقه في سالف طاعة ، وجرى معه في ميدان المعصية . وحينئذ فيكون آدم وذريته شرا من إبليس ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون "

                  [4] .

                  ثم هل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر : إن من أذنب ذنبا من المسلمين يكون شرا من إبليس ؟ أو ليس هذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين [ ص: 508 ] الإسلام ؟ وقائل هذا كافر كفرا معلوما بالضرورة من الدين . وعلى هذا فالشيعة دائما يذنبون ، فيكون كل منهم شرا من إبليس . ثم إذا قالت الخوارج : إن عليا أذنب فيكون شرا من إبليس - لم يكن للروافض

                  [5] حجة إلا دعوى عصمته

                  [6] . وهم لا يقدرون أن يقيموا حجة على الخوارج بإيمانه وإمامته وعدالته ، فكيف يقيمون حجة عليهم بعصمته ؟ ولكن أهل السنة تقدر أن تقيم الحجة بإيمانه وإمامته ، لأن ما تحتج به الرافضة منقوض ومعارض بمثله ، فيبطل الاحتجاج به .

                  ثم إذا قام الدليل على قول الجمهور الذي دل عليه القرآن كقوله تعالى : ( وعصى آدم ربه فغوى ) سورة طه ، لزم أن يكون آدم شرا من إبليس .

                  وفي الجملة فلوازم هذا القول وما فيه من الفساد يفوق الحصر والتعداد .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية