ويقال : ثالثا : ما [1] أعبد الملائكة ؟ وأنه كان الدليل على أن إبليس [ كان ]
[2] يحمل العرش وحده ستة آلاف سنة ؟ أو أنه
[3] كان من حملة العرش في الجملة ؟ أو أنه كان طاووس الملائكة ؟ أو أنه ما ترك في السماء رقعة ولا في الأرض بقعة إلا وله فيها سجدة وركعة ؟ ونحو ذلك مما يقوله بعض الناس .
فإن هذا أمر إنما يعلم بالنقل الصادق ، وليس في القرآن شيء من ذلك ، ولا في ذلك خبر صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهل يحتج بمثل هذا في أصول الدين إلا من هو من أعظم الجاهلين ؟ ! .
[ ص: 510 ] وأعجب من ذلك قوله : " ولا شك بين العلماء أن إبليس كان أعبد الملائكة " .
فيقال : من الذي قال هذا من علماء الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين ؟ فضلا عن أن يكون هذا متفقا عليه بين العلماء ؟ وهذا شيء لم يقله قط عالم يقبل قوله من علماء المسلمين . وهو أمر لا يعرف إلا بالنقل ، ولم ينقل هذا أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ لا ]
[4] بإسناد صحيح ولا ضعيف . فإن كان قاله بعض الوعاظ أو المصنفين في الرقائق ، أو بعض من ينقل في التفسير من الإسرائيليات ما لا إسناد له
[5] ، فمثل هذا لا يحتج به في جرزة بقل
[6] ، فكيف يحتج به في جعل إبليس خيرا ( * من كل من عصى الله من بني آدم ، ويجعل الصحابة من هؤلاء الذين إبليس خير منهم * ) [7] ؟ .
وما وصف الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - إبليس بخير قط ولا بعبادة
[8] متقدمة ولا غيرها ( 5 مع أنه لو كان له عبادة لكانت قد حبطت بكفره وردته 5 ) [9] .
وأعجب من ذلك قوله : " لا شك بين العلماء أنه كان يحمل العرش [ ص: 511 ] وحده ستة آلاف سنة " فيا سبحان الله ! هل قال ذلك
[10] أحد من علماء
[11] المسلمين المقبولين عند المسلمين ؟ وهل يتكلم بذلك إلا مفرط في الجهل ؟ فإن هذا لا يعرف - لو كان حقا - إلا بنقل الأنبياء ، وليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء .
ثم حمل واحد من الملائكة العرش
[12] خلاف ما دل عليه النقل الصحيح
[13] . [ ثم ما باله حمل العرش وحده ستة آلاف سنة ولم يكن
[14] يحمله وحده دائما ؟ ]
[15] . ومن الذي نقل أن إبليس من حملة العرش ؟
وهذا من أكذب الكذب
[16] ; فإن الله تعالى
[17] يقول : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ) سورة غافر ، [ فأخبر أن له حملة لا واحدا ، وأنهم كلهم مؤمنون مسبحون بحمد ربهم ، مستغفرون للذين آمنوا ]
[18] .
[ ص: 512 ] وإذا قيل : هذا إخبار عن الحمل [ المطلق ] ، ليس
[19] فيه أنه لم يزل له حملة .
قيل : قد جاءت الآثار بأنه لم يزل له حملة ، كحديث عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح
[20] ، أن الله تعالى لما خلق العرش أمر الملائكة بحمله . قالوا : ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك ؟ فقال : قولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله
[21] ، فقالوها ، فأطاقوا حمله "
[22] .