الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ويقال : ثالثا : ما الدليل على أن إبليس [ كان ] [1] أعبد الملائكة ؟ وأنه كان

                  [2] يحمل العرش وحده ستة آلاف سنة ؟ أو أنه

                  [3] كان من حملة العرش في الجملة ؟ أو أنه كان طاووس الملائكة ؟ أو أنه ما ترك في السماء رقعة ولا في الأرض بقعة إلا وله فيها سجدة وركعة ؟ ونحو ذلك مما يقوله بعض الناس .

                  فإن هذا أمر إنما يعلم بالنقل الصادق ، وليس في القرآن شيء من ذلك ، ولا في ذلك خبر صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهل يحتج بمثل هذا في أصول الدين إلا من هو من أعظم الجاهلين ؟ ! .

                  [ ص: 510 ] وأعجب من ذلك قوله : " ولا شك بين العلماء أن إبليس كان أعبد الملائكة " .

                  فيقال : من الذي قال هذا من علماء الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين ؟ فضلا عن أن يكون هذا متفقا عليه بين العلماء ؟ وهذا شيء لم يقله قط عالم يقبل قوله من علماء المسلمين . وهو أمر لا يعرف إلا بالنقل ، ولم ينقل هذا أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ لا ]

                  [4] بإسناد صحيح ولا ضعيف . فإن كان قاله بعض الوعاظ أو المصنفين في الرقائق ، أو بعض من ينقل في التفسير من الإسرائيليات ما لا إسناد له

                  [5] ، فمثل هذا لا يحتج به في جرزة بقل

                  [6] ، فكيف يحتج به في جعل إبليس خيرا ( * من كل من عصى الله من بني آدم ، ويجعل الصحابة من هؤلاء الذين إبليس خير منهم * ) [7] ؟ .

                  وما وصف الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - إبليس بخير قط ولا بعبادة

                  [8] متقدمة ولا غيرها ( 5 مع أنه لو كان له عبادة لكانت قد حبطت بكفره وردته 5 ) [9] .

                  وأعجب من ذلك قوله : " لا شك بين العلماء أنه كان يحمل العرش [ ص: 511 ] وحده ستة آلاف سنة " فيا سبحان الله ! هل قال ذلك

                  [10] أحد من علماء

                  [11] المسلمين المقبولين عند المسلمين ؟ وهل يتكلم بذلك إلا مفرط في الجهل ؟ فإن هذا لا يعرف - لو كان حقا - إلا بنقل الأنبياء ، وليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء .

                  ثم حمل واحد من الملائكة العرش

                  [12] خلاف ما دل عليه النقل الصحيح

                  [13] . [ ثم ما باله حمل العرش وحده ستة آلاف سنة ولم يكن

                  [14] يحمله وحده دائما ؟ ]

                  [15] ومن الذي نقل أن إبليس من حملة العرش ؟ .

                  وهذا من أكذب الكذب

                  [16] ; فإن الله تعالى

                  [17] يقول : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ) سورة غافر ، [ فأخبر أن له حملة لا واحدا ، وأنهم كلهم مؤمنون مسبحون بحمد ربهم ، مستغفرون للذين آمنوا ]

                  [18] .

                  [ ص: 512 ] وإذا قيل : هذا إخبار عن الحمل [ المطلق ] ، ليس

                  [19] فيه أنه لم يزل له حملة .

                  قيل : قد جاءت الآثار بأنه لم يزل له حملة ، كحديث عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح

                  [20] ، أن الله تعالى لما خلق العرش أمر الملائكة بحمله . قالوا : ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك ؟ فقال : قولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله

                  [21] ، فقالوها ، فأطاقوا حمله
                  "

                  [22] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية