الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الفصل الثالث [1]

                  قال الرافضي [2] : في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة [ سورة المجادلة : 12 ] . قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لم يعمل [3] بهذه الآية غيري ، وبي خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية .

                  [ ص: 16 ] والجواب أن يقال : الأمر بالصدقة لم يكن واجبا على المسلمين حتى يكونوا عصاة بتركه ، وإنما أمر به من أراد النجوى ، واتفق أنه لم يرد النجوى إذ ذاك إلا علي رضي الله عنه فتصدق لأجل المناجاة [4] .

                  وهذا كأمره بالهدي لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، وأمره بالهدي لمن أحصر وأمره لمن به أذى من رأسه بفدية من صيام أو صدقة أو نسك . وهذه الآية نزلت في كعب بن عجرة لما مر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ينفخ تحت قدر وهوام رأسه تؤذيه [5] . وكأمره لمن كان مريضا أو على سفر بعدة من أيام أخر ، وكأمره لمن حنث في يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، وكأمره إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق ، وكأمره إذا قرءوا القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ، ونظائر هذا متعددة .

                  فالأمر المعلق بشرط إذا لم يوجد ذلك الشرط إلا في حق واحد لم يؤمر [ ص: 17 ] به غيره . وهكذا آية النجوى ; فإنه لم يناج الرسول قبل نسخها إلا علي ، ولم يكن على من ترك النجوى حرج . فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمة ، ولا من خصائص علي رضي الله عنه ، ولا يقال إن غير علي ترك النجوى بخلا بالصدقة ; لأن هذا غير معلوم ؛ فإن المدة لم تطل . وفي تلك المدة القصيرة قد لا يحتاج [6] الواحد إلى النجوى ، وإن قدر أن هذا كان يخص بعض الناس لم يلزم أن يكون أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من هؤلاء . كيف [7] وأبو بكر رضي الله عنه قد [8] أنفق ماله كله يوم رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة ، وعمر رضي الله عنه جاء [9] بنصف ماله بلا حاجة إلى النجوى . فكيف يبخل أحدهما [10] بدرهمين أو ثلاثة يقدمها بين يدي نجواه ؟ .

                  وقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر يقول : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق ، فوافق ذلك مالا عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي ، فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أبقيت لأهلك يا عمر ، فقلت : مثله ، قال : وأتى أبو بكر بكل مال عنده ، فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ، فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ، فقلت : لا أسابقك إلى شيء أبدا [11] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية