: أن والجواب أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب فيه [1] من [ ص: 42 ] الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى كذبه على من له أدنى معرفة بالحديث ، فضلا عن علماء الحديث ، وليس هو من علماء الحديث ولا ممن يرجع إليه في هذا الشأن البتة [2] . وهذه . وهذا الرجل قد ذكر أنه يذكر ما هو صحيح عندهم ، ونقلوه في المعتمد من قولهم وكتبهم ؛ فكيف يذكر ما أجمعوا على أنه كذب موضوع ، ولم يرو الأحاديث مما يعلم أهل المعرفة بالحديث أنها من المكذوبات [3] في شيء من كتب الحديث المعتمدة ، ولا صححه أحد من أئمة الحديث .
فالعشرة الأول [4] كلها كذب إلى آخر حديث قتله [5] لعمرو بن عبد ود . وأما حديث سعد لما أمره بالسب فأبى ، فقال : ما منعك أن تسب معاوية ؟ فقال : ثلاث قالهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم . . . الحديث . فهذا حديث صحيح رواه علي بن أبي طالب في صحيحه مسلم [6] وفيه ثلاث فضائل لكن ليست من خصائص الأئمة ولا من خصائص [ ص: 43 ] لعلي ، فإن قوله علي : يا رسول الله ، تخلفني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة علي هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . ليس من خصائصه ; فإنه استخلف على وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له المدينة غير واحد ، ولم يكن هذا الاستخلاف أكمل من غيره . ولهذا قال له : أتخلفني مع النساء والصبيان ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في كل غزاة علي [7] يترك بالمدينة رجالا من المهاجرين والأنصار إلا في غزوة تبوك فإنه أمر المسلمين جميعهم بالنفير [8] ، فلم يتخلف بالمدينة إلا عاص أو معذور غير النساء والصبيان . ولهذا كره الاستخلاف ، وقال : أتخلفني مع النساء والصبيان ؟ يقول تتركني مخلفا لا تستصحبني معك ؟ فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاستخلاف ليس نقصا علي [9] ولا غضاضة ; فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده ، وكذلك أنت استخلفتك لأمانتك عندي ، لكن موسى استخلف نبيا وأنا لا نبي بعدي . وهذا تشبيه في أصل الاستخلاف فإن موسى استخلف هارون على جميع بني إسرائيل ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف على قليل من المسلمين ، وجمهورهم استصحبهم في الغزاة . وتشبيهه عليا بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر : هذا وعمر بإبراهيم وعيسى ، وهذا بنوح وموسى ; فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون ، وكل من أبي بكر شبه باثنين لا بواحد ، فكان وعمر [10] هذا التشبيه أعظم من تشبيه [ ص: 44 ] ، مع أن استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابه . علي
وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه ، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص ، ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص .
وكذلك قوله [11] قال : فتطاولنا ، فقال : ادعوا لي ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه عليا [12] ودفع الراية إليه ، ففتح الله على يديه . وهذا الحديث أصح ما روي لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله [ ويحبه الله ورسوله ] من الفضائل ، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه . وليس هذا الوصف مختصا بالأئمة ولا لعلي ; فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله ؛ لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرءون منه ولا يتولونه ولا يحبونه ، بل قد بعلي [13] يكفرونه أو يفسقونه [14] كالخوارج ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله [15] .
لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم ; فإن الخوارج تقول في علي مثل ذلك ، لكن هذا باطل ، فإن الله ورسوله لا يطلق هذا المدح على من يعلم أنه يموت كافرا[16] ، وبعض أهل الأهواء من [ ص: 45 ] المعتزلة وغيرهم ، وبعض المروانية ومن كان على هواهم ، الذين كانوا يبغضونه ويسبونه .
كذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة وحسن وحسين [17] ، كما شركوه [18] في حديث الكساء ، فعلم أن ذلك [19] لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة ، بل يشركه [20] فيه المرأة والصبي ، فإن الحسن كانا صغيرين عند المباهلة ، فإن المباهلة كانت لما قدم وفد والحسين نجران بعد فتح مكة [ سنة تسع أو عشر ] [21] ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مات ولم يكمل سبع سنين ، الحسين أكبر منه بنحو سنة ، وإنما دعا هؤلاء لأنه أمر أن يدعو كل واحد من والحسن [22] الأقربين : الأبناء [23] والنساء والأنفس ، فيدعو [24] الواحد من أولئك أبناءه ونساءه ، وأخص الرجال به نسبا .
وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نسبا ، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده ، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه ، لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم [25] أخص الناس به ، لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي [26] رحمه الأقربين إليه ، ولهذا خصهم في حديث الكساء .
[ ص: 46 ] والدعاء لهم والمباهلة مبناها على العدل [27] ، فأولئك أيضا يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسبا ، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب ؛ ولهذا امتنعوا عن [28] المباهلة ، لعلمهم بأنه [29] على الحق ، وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بهلة الله [30] وعلى الأقربين إليهم ، بل قد يحذر الإنسان على ولده ما لا يحذره [31] على نفسه .
فإن قيل فإذا [32] كان ما صح من رضي الله عنه علي ، كقوله - صلى الله عليه وسلم : " فضائل " ، وقوله : " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله هارون من موسى " ، وقوله : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة [33] أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " ليس من خصائصه ، بل له فيه شركاء ، فلماذا تمنى بعض الصحابة أن يكون له ذلك كما روي عن اللهم هؤلاء سعد [34] وعن ؟ . عمر
فالجواب : أن في ذلك شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيمانه باطنا وظاهرا ، وإثباتا لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له . وفي ذلك رد على لعلي النواصب الذين يعتقدون كفره أو فسقه ، كالخوارج المارقين الذين كانوا من أعبد الناس ، كما قال النبي [35] - صلى الله عليه [ ص: 47 ] وسلم - فيهم [36] يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم [37] وهؤلاء يكفرونه ويستحلون قتله ، ولهذا قتله واحد منهم ؛ وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي مع كونه كان من أعبد الناس .
وأهل العلم والسنة يحتاجون إلى إثبات إيمان وعدله ودينه - للرد على هؤلاء - أعظم مما يحتاجون إلى مناظرة الشيعة ; فإن هؤلاء أصدق وأدين ، والشبه علي [38] التي يحتجون بها أعظم من الشبه [39] التي تحتج بها الشيعة ، كما أن المسلمين يحتاجون في أمر المسيح صلوات الله وسلامه عليه إلى مناظرة اليهود والنصارى ، فيحتاجون أن ينفوا عنه ما يرميه به اليهود من أنه كاذب ولد زنا ، وإلى نفي ما تدعيه النصارى من الإلهية ، وجدل اليهود أشد من جدل النصارى ، ولهم شبه لا يقدر النصارى أن يجيبوهم عنها ، وإنما يجيبهم عنها المسلمون . كما أن للنواصب شبها [40] [ ص: 48 ] لا يمكن الشيعة أن يجيبوا عنها ، وإنما يجيبهم عنها أهل السنة .
فهذه الأحاديث الصحيحة المثبتة لإيمان باطنا وظاهرا رد على هؤلاء ، وإن لم يكن ذلك من خصائصه ، كالنصوص الدالة على إيمان علي أهل بدر وبيعة الرضوان باطنا وظاهرا ; فإن فيها ردا على من ينازع في ذلك من الروافض والخوارج ، وإن لم يكن ما يستدل به من خصائص واحد منهم . وإذا شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعين بشهادة ، أو دعا له بدعاء ؛ أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة ومثل [41] ذلك الدعاء ، وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهد بذلك لخلق كثير ، ويدعو به لخلق كثير وكان تعيينه لذلك المعين من أعظم فضائله ومناقبه . وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس بن شماس [42] وعبد الله بن سلام [43] ، وغيرهما . وإن كان قد شهد بالجنة لآخرين . والشهادة بمحبة الله [ ص: 49 ] ورسوله لعبد الله حمار الذي ضرب في الخمر [44] ، وإن شهد بذلك لمن هو أفضل منه ، وكشهادته لعمرو بن تغلب بأنه ممن لا يعطيه لما في قلبه من الغنى والخير لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : " عمرو بن تغلب إني لأعطي رجالا وأدع رجالا ، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ، أعطي رجالا لما في قلوبهم من الهلع والجزع وأكل رجالا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير ، منهم [45] .
وفي الحديث الصحيح [46] قال : " اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم منزله ، ووسع [47] مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد [48] ، ونقه من الذنوب والخطايا [49] كما ينقى [50] الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وقه فتنة القبر وعذاب النار ، وأفسح له في قبره ، ونور له فيه " . قال لما صلى على ميت عوف بن [ ص: 50 ] مالك فتمنيت أن أكون أنا [51] ذلك الميت [52] . وهذا الدعاء ليس مختصا بذلك الميت .