الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " ومنها ما نقله صاحب الفردوس في كتابه عن معاذ بن جبل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [2] : " حب [ ص: 73 ] علي [3] حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا ينفع [4] معها حسنة " .

                  والجواب : أن كتاب الفردوس [5] فيه من الأحاديث الموضوعات ما شاء الله ، ومصنفه شيرويه بن شهردار الديلمي [6] وإن كان من طلبة الحديث ورواته ، فإن هذه الأحاديث التي جمعها وحذف أسانيدها ، نقلها [7] من غير اعتبار لصحيحها وضعيفها وموضوعها ; فلهذا كان فيه من الموضوعات أحاديث كثيرة جدا .

                  وهذا الحديث مما يشهد المسلم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقوله [8] ; فإن حب الله ورسوله أعظم من حب علي ، والسيئات تضر مع ذلك . وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضرب عبد الله بن حمار [9] في [ ص: 74 ] الخمر ، وقال : " إنه يحب الله ورسوله " [10] . وكل مؤمن فلا بد أن يحب الله ورسوله ، والسيئات تضره . وقد أجمع المسلمون وعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الشرك يضر صاحبه ولا يغفره الله لصاحبه [11] ، ولو أحب علي بن أبي طالب ; فإن أباه أبا طالب كان يحبه وقد ضره الشرك حتى دخل النار ، والغالية يقولون إنهم يحبونه وهم كفار من أهل النار .

                  وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " [12] . وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو سرق لقطعت يده وإن كان يحب عليا ، ولو زنى أقيم عليه الحد ولو كان يحب عليا ، ولو قتل لأقيد بالمقتول وإن كان يحب عليا . وحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من حب علي ، ولو ترك رجل الصلاة والزكاة وفعل الكبائر لضره ذلك مع حب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف لا يضره ذلك مع حب علي ؟ .

                  [ ص: 75 ] ثم من المعلوم أن المحبين له الذين رأوه وقاتلوا معه أعظم من غيرهم ، وكان هو دائما يذمهم ويعيبهم [13] ويطعن عليهم ويتبرأ من فعلهم به [14] ، ودعا الله عليهم أن يبدله بهم خيرا منهم ، ويبدلهم به شرا منه ، ولو لم تكن إلا ذنوبهم بتخاذلهم في القتال معه ومعصيتهم لأمره . فإذا كان أولئك خيار الشيعة وعلي يبين أن تلك الذنوب تضرهم فكيف بما هو أعظم منها لمن هو شر من أولئك ؟ .

                  وبالجملة فهذا [15] القول كفر ظاهر [16] يستتاب صاحبه ، ولا يجوز أن يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر .

                  وكذلك قوله : " وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة " فإن من أبغضه إن كان كافرا فكفره هو الذي أشقاه ، وإن كان مؤمنا نفعه إيمانه وإن أبغضه [17] .

                  وكذلك الحديث الذي ذكره [18] عن ابن مسعود [ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ] [19] حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنة . وقوله عن علي : أنا وهذا حجة الله على خلقه . هما حديثان [ ص: 76 ] موضوعان عند أهل العلم بالحديث [20] . وعبادة سنة فيها الإيمان والصلوات الخمس كل يوم وصوم شهر رمضان ، وقد أجمع المسلمون على أن هذا لا يقوم مقامه حب آل محمد شهرا ؛ فضلا عن حبهم يوما .

                  وكذلك حجة الله على عباده قامت بالرسل فقط . كما قال تعالى : لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ سورة النساء : 165 ] . ولم يقل بعد الرسل والأئمة أو الأوصياء [21] أو غير ذلك .

                  وكذلك قوله : " لو اجتمع الناس على حب علي لم يخلق الله النار " من أبين الكذب [22] باتفاق أهل العلم والإيمان [23] ، ولو اجتمعوا على حب علي لم ينفعهم ذلك حتى يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويعملوا صالحا ، وإذا فعلوا ذلك دخلوا الجنة ، وإن لم يعرفوا عليا بالكلية ، ولم يخطر بقلوبهم لا حبه ولا بغضه .

                  [ ص: 77 ] قال الله تعالى : بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ سورة البقرة : 112 ] .

                  وقال تعالى : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا [ سورة النساء 69 ] .

                  وقال تعالى : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين [ سورة آل عمران 133 - 136 ] [24] فهؤلاء في الجنة ، ولم يشترط عليهم ما ذكروه من حب علي .

                  وكذلك قوله تعالى : إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين [ سورة المعارج 19 - 22 ] [25] إلى قوله : أولئك في جنات مكرمون [ سورة المعارج 35 ] وأمثال ذلك ولم يشترط حب علي .

                  وقد قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة وفود ، وآمنوا به ، وآمن [ ص: 78 ] به طوائف ممن لم يره ، وهم لم يسمعوا بذكر علي ولا عرفوه ، وهم من المؤمنين المتقين المستحقين للجنة . وقد اجتمع على دعوى حبه الشيعة الرافضة [26] والنصيرية والإسماعيلية ، وجمهورهم من أهل النار ، بل مخلدون في النار .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية