الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 178 ] وكذلك الطوائف المنتسبون إلى السنة من أهل الكلام والرأي  ، مثل الكلابية والأشعرية والكرامية والسالمية ، ومثل طوائف الفقه من الحنفية والمالكية والسفيانية والأوزاعية والشافعية والحنبلية والداودية وغيرهم ، مع تعظيم الأقوال المشهورة عن أهل السنة والجماعة * ) [1] ، لا يوجد لطائفة منهم قول انفردوا به عن سائر الأمة وهو صواب ، بل ما مع كل طائفة منهم من الصواب يوجد عند غيرهم [2] من الطوائف ، وقد ينفردون بخطأ لا يوجد عند غيرهم ، لكن قد تنفرد طائفة بالصواب عمن يناظرها من الطوائف ، كأهل المذاهب الأربعة : قد يوجد لكل واحد [3] منهم أقوال انفرد بها ، وكان الصواب الموافق للسنة معه دون الثلاثة ، لكن يكون قوله قد قاله غيره من الصحابة والتابعين وسائر علماء الأمة ، بخلاف ما انفردوا به ولم ينقل عن غيرهم ، فهذا لا يكون إلا خطأ . وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف .

                  وأما الصواب الذي ينفرد به كل طائفة من الثلاثة فكثير [4] ، لكن الغالب أنه يوافقه عليه بعض أتباع الثلاثة . وذلك كقول أبي حنيفة بأن المحرم يجوز له أن يلبس الخف المقطوع  وما أشبهه كالجمجم والمداس . وهو وجه في مذهب أحمد [5] وغيره ، وقوله : بأن [6] الجد يسقط الإخوة ، وقد وافقه عليه بعض أصحاب الشافعي وأحمد ، وكقوله بأن طهارة المسح [ ص: 179 ] يشترط لها دوام الطهارة دون ابتدائها  ، وقوله : إن النجاسة تزول بكل ما يزيلها  ، وهذا أحد الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد ومذهب مالك ، وكذلك قوله بأنها تطهر بالاستحالة .

                  ومثل قول مالك بأن الخمس مصرفه مصرف الفيء  ، وهو قول في مذهب أحمد ، فإنه عنه روايتان في خمس الركاز [7] : هل يصرف مصرف الفيء أو مصرف الزكاة [8] ؟ وإذا صرف مصرف الفيء فإنما هو تابع لخمس الغنيمة .

                  ومثل قوله بجواز أخذ الجزية من كل كافر جازت معاهدته  ، لا فرق بين العرب والعجم ، ولا بين أهل الكتاب وغيرهم ، فلا يعتبر قط أمر النسب ، بل الدين [9] في الذمة والاسترقاق وحل الذبائح والمناكح ، وهذا أصح الأقوال في هذا الباب ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ; فإنه لا يخالفه إلا في أخذ الجزية من مشركي العرب  ، ولم يبق من مشركي العرب أحد بعد نزول [10] آية الجزية ، بل كان جميع مشركي العرب قد أسلموا .

                  ومثل قول مالك : إن أهل مكة يقصرون الصلاة بمنى وعرفة ، وهو قول في مذهب أحمد وغيره .

                  ومثل مذهبه في الحكم بالدلائل [11] والشواهد ، وفي إقامة الحدود [ ص: 180 ] ورعاية مقاصد الشريعة ، وهذا من محاسن مذهبه ، ومذهب أحمد قريب من مذهبه في أكثر ذلك .

                  ومثل قول الشافعي بأن الصبي إذا صلى في أول الوقت ثم بلغ  لم يعد الصلاة . وكثير من الناس يعيب هذا على الشافعي ، وغلطوا في ذلك ، بل الصواب قوله ، كما بسط في موضعه ، وهو وجه [12] في مذهب أحمد .

                  وقوله بفعل [13] ذوات الأسباب في وقت النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد . وكذلك قوله بطهارة المني  ، كقول أحمد في أظهر الروايتين .

                  ومثل قول أحمد في نكاح البغي : لا يجوز حتى تتوب . وقوله بأن الصيد إذا جرح ثم غاب  أنه يؤكل ما لم يوجد فيه أثر آخر ، وهو قول في مذهب الشافعي . وقوله بأن صوم النذر  يصام عن الميت ، بل وكل المنذورات تفعل عن الميت ، ورمضان يطعم عنه . وبعض الناس يضعف هذا القول ، وهو قول الصحابة [14] ابن عباس وغيره ، ولم يفهموا غوره [15] .

                  وقوله : إن المحرم إذا لم يجد النعلين والإزار  لبس الخفين والسراويل بلا قطع ولا فتق ; فإن هذا كان [16] آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم .

                  [ ص: 181 ] وقوله بأن مرور المرأة والكلب الأسود والحمار  يقطع الصلاة .

                  وقوله بأن الجدة ترث وابنها حي . وقوله بصحة المساقاة والمزارعة وما أشبه ذلك ، وإن كان البذر من العامل ، على إحدى الروايتين عنه ، وكذلك طائفة من أصحاب الشافعي .

                  وقوله في إحدى الروايتين : إن طلاق السكران  لا يقع ، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة والشافعي .

                  وقوله بأن الوقف إذا تعطل نفعه  بيع واشتري به ما يقوم مقامه .

                  وفي مذهب أبي حنيفة ما هو أقرب إلى قول [17] أحمد من غيره ، وكذلك في [18] مذهب مالك .

                  وكذلك قوله في إبدال الوقف  ، كإبدال مسجد بغيره ، ويجعل الأول غير مسجد ، كما فعل [19] عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وفي مذهب أبي حنيفة ومالك جواز [20] الإبدال للحاجة في مواضع .

                  وقوله بقبول شهادة العبد  ، وقوله بأن صلاة المنفرد خلف الصف  يجب عليه فيها الإعادة ، وقوله : إن فسخ الحج إلى العمرة  جائز مشروع ، بل هو أفضل ، وقوله بأن القارن إذا ساق الهدي  فقرانه أفضل [21] من التمتع والإفراد ، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومثل قوله : إن صلاة الجماعة  فرض على الأعيان .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية