الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وهذا معلوم بضرورة العقل عند عامة العقلاء ، وهو متفق عليه عند نظار الأمم المسلمين وغير المسلمين ، وجماهير الفلاسفة الأولين والآخرين حتى أرسطو وأتباعه ، ولم ينازع في ذلك إلا شرذمة قليلة من المتفلسفة جوز بعضهم أن يكون مفعولا ممكنا ، وهو قديم أزلي كابن سينا وأمثاله ، وجوز بعضهم مع ذلك أن يكون مرادا .

                  وأما جماهير العقلاء فيقولون : إن فساد كل من هذين القولين معلوم بضرورة العقل حتى المنتصرون [1] لأرسطو وأتباعه - كابن رشد الحفيد ، وغيره - أنكروا كون الممكن يكون قديما أزليا على إخوانهم كابن سينا ، وبينوا أنهم خالفوا في هذا القول أرسطو وأتباعه ، وهو كما قال . هؤلاء .

                  [ ص: 236 ] . وكلام أرسطو بين في ذلك في ( مقالة اللام ) التي هي آخر كلامه في علم ما بعد الطبيعة [2] ، وغير ذلك .

                  وأرسطو وقدماء أصحابه - مع سائر العقلاء - يقولون : إن الممكن الذي يمكن وجوده وعدمه لا يكون إلا محدثا كائنا بعد أن لم يكن ، والمفعول لا يكون إلا محدثا ، وهم إذا قالوا بقدم الأفلاك لم يقولوا إنها ممكنة ولا مفعولة ولا مخلوقة ، بل يقولون : إنها تتحرك للتشبه بالعلة الأولى ، فهي [ محتاجة إلى العلة الأولى ] [3] التي يسميها ابن سينا وأمثاله واجب الوجود من جهة أنه لا بد في حركتها من التشبه به ، فهو لها [4] من جنس العلة الغائية لا أنه علة فاعلة لها عند أرسطو . وذويه .

                  وهذا القول - وإن كان من أعظم الأقوال كفرا وضلالا ومخالفة لما عليه جماهير العقلاء [ من الأولين والآخرين ] [5] ، ولهذا عدل متأخرو الفلاسفة [ عنه ] [6] ، وادعوا موجبا وموجبا ، كما زعمه ابن سينا ، وأمثاله ، [ ص: 237 ] وأساطين الفلاسفة قبل أرسطو لم يكونوا يقولون بقدم العالم ، بل كانوا مقرين بأن الأفلاك محدثة كائنة بعد أن لم تكن مع نزاع منتشر لهم في المادة - فالمقصود [7] هنا أن هؤلاء مع ما فيهم من الضلال لم يرضوا لأنفسهم أن يجعلوا الممكن الذي يمكن وجوده وعدمه قديما أزليا ، بل قالوا : إنه لا يكون إلا محدثا ، ولا رضوا لأنفسهم أن يقولوا : إن المفعول المصنوع المبدع قديم أزلي ، ولا أن المراد الذي أراد الباري فعله هو قديم أزلي ، فإن فساد هذه الأقوال ظاهر في بدايه [8] العقول ، وإنما ألجأ إليها من قالها من متأخريهم ما التزموه من الأقوال المتناقضة التي ألجأتهم إليها .

                  كما أن كثيرا من أهل الكلام ألجأتهم أصول لهم فيها إلى أقوال يعلم فسادها بضرورة العقل مثل إرادة أو كلام لا في محل ، ومثل شيء واحد بالعين يكون حقائق متنوعة [9] ، ومثل أمر سبق [10] بعضه بعضا يكون قديم الأعيان لم يزل كل شيء منه قديما أزليا ، وأمثال ذلك .

                  وما يذكره الرازي ، [ وأمثاله . ] [11] في هذه المسألة ، وغيرها من إجماع الحكماء كدعواه إجماعهم على علة الافتقار هي الإمكان ، وأن الممكن المعلول يكون قديما أزليا ، فهو إنما يذكر ما وجده في كتب ابن سينا ، ويظن أن هذا إجماع الفلاسفة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية