وهذا معلوم بضرورة العقل عند عامة العقلاء ، وهو متفق عليه عند نظار الأمم المسلمين وغير المسلمين ، وجماهير الفلاسفة الأولين والآخرين حتى أرسطو وأتباعه ، ولم ينازع في ذلك إلا شرذمة قليلة من المتفلسفة جوز بعضهم أن يكون مفعولا ممكنا ، وهو قديم أزلي وأمثاله ، وجوز بعضهم مع ذلك أن يكون مرادا . كابن سينا
وأما جماهير العقلاء فيقولون : إن فساد كل من هذين القولين معلوم بضرورة العقل حتى المنتصرون [1] لأرسطو وأتباعه - كابن رشد الحفيد ، وغيره - أنكروا كون الممكن يكون قديما أزليا على إخوانهم ، وبينوا أنهم خالفوا في هذا القول كابن سينا أرسطو وأتباعه ، وهو كما قال . هؤلاء .
[ ص: 236 ] . وكلام أرسطو بين في ذلك في ( مقالة اللام ) التي هي آخر كلامه في علم ما بعد الطبيعة [2] ، وغير ذلك .
وأرسطو وقدماء أصحابه - مع سائر العقلاء - يقولون : ، والمفعول لا يكون إلا محدثا ، وهم إذا قالوا بقدم الأفلاك لم يقولوا إنها ممكنة ولا مفعولة ولا مخلوقة ، بل يقولون : إنها تتحرك للتشبه بالعلة الأولى ، فهي [ محتاجة إلى العلة الأولى ] إن الممكن الذي يمكن وجوده وعدمه لا يكون إلا محدثا كائنا بعد أن لم يكن [3] التي يسميها وأمثاله واجب الوجود من جهة أنه لا بد في حركتها من التشبه به ، فهو لها ابن سينا [4] من جنس العلة الغائية لا أنه علة فاعلة لها عند أرسطو . وذويه .
وهذا القول - وإن كان من أعظم الأقوال كفرا وضلالا ومخالفة لما عليه جماهير العقلاء [ من الأولين والآخرين ] [5] ، ولهذا عدل متأخرو الفلاسفة [ عنه ] [6] ، وادعوا موجبا وموجبا ، كما زعمه ، وأمثاله ، [ ص: 237 ] وأساطين الفلاسفة قبل ابن سينا أرسطو لم يكونوا يقولون بقدم العالم ، بل كانوا مقرين بأن الأفلاك محدثة كائنة بعد أن لم تكن مع نزاع منتشر لهم في المادة - فالمقصود [7] هنا أن هؤلاء مع ما فيهم من الضلال لم يرضوا لأنفسهم أن يجعلوا الممكن الذي يمكن وجوده وعدمه قديما أزليا ، بل قالوا : إنه لا يكون إلا محدثا ، ولا رضوا لأنفسهم أن يقولوا : إن المفعول المصنوع المبدع قديم أزلي ، ولا أن المراد الذي أراد الباري فعله هو قديم أزلي ، فإن فساد هذه الأقوال ظاهر في بدايه [8] العقول ، وإنما ألجأ إليها من قالها من متأخريهم ما التزموه من الأقوال المتناقضة التي ألجأتهم إليها .
كما أن كثيرا من أهل الكلام ألجأتهم أصول لهم فيها إلى أقوال يعلم فسادها بضرورة العقل مثل إرادة أو كلام لا في محل ، ومثل شيء واحد بالعين يكون حقائق متنوعة [9] ، ومثل أمر سبق [10] بعضه بعضا يكون قديم الأعيان لم يزل كل شيء منه قديما أزليا ، وأمثال ذلك .
وما يذكره الرازي ، [ وأمثاله . ] [11] في هذه المسألة ، وغيرها من إجماع الحكماء كدعواه إجماعهم على علة الافتقار هي الإمكان ، وأن الممكن المعلول يكون قديما أزليا ، فهو إنما يذكر ما وجده في كتب ، ويظن أن هذا إجماع الفلاسفة . ابن سينا