قال الرافضي [2] : " وقال عند احتضاره : ليت أمي لم تلدني ! يا ليتني [3] كنت تبنة في لبنة ، مع أنهم [ قد ] [4] نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما من محتضر يحتضر إلا ويرى مقعده من الجنة والنار [5] " .
والجواب : أن تكلمه بهذا عند الموت غير معروف ، بل هو باطل بلا ريب ، بل الثابت عنه أنه لما احتضر ، وتمثلت عنده عائشة بقول الشاعر :
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه ، وقال : ليس كذلك ، ولكن قولي : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) [ سورة ق : 19 ] .
[ ص: 483 ] ولكن نقل عنه أنه قال في صحته : ليت أمي لم تلدني ! ونحو هذا قاله خوفا - إن صح النقل عنه . ومثل هذا الكلام منقول عن جماعة أنهم قالوه خوفا وهيبة من أهوال يوم القيامة ، حتى قال بعضهم : لو خيرت بين أن أحاسب وأدخل الجنة ، وبين أن أصير ترابا ، لاخترت أن أصير ترابا . وروى الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال : والله لوددت أني شجرة تعضد ، وقد روى أبو نعيم في " حلية الأولياء " [6] قال : حدثنا سليمان بن أحمد [7] ، حدثنا محمد بن علي الصائغ ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا السري بن يحيى . قال [8] : قال عبد الله بن مسعود : " لو وقفت بين الجنة والنار ، فقيل لي : اختر في أيهما تكون ، أو تكون رمادا ، لاخترت أن أكون رمادا " [9] .
وروى الإمام أحمد بن حنبل [10] : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قال رجل عند عبد الله بن مسعود : ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين ، أكون من المقربين أحب إلي . فقال عبد الله بن مسعود : لكن هاهنا رجل ود أنه إذا مات لم يبعث ، يعني نفسه .
والكلام في مثل هذا [11] : هل هو مشروع أم لا ؟ له موضع آخر . لكن [ ص: 484 ] الكلام الصادر عن خوف العبد من الله يدل على إيمانه بالله ، وقد غفر الله لمن خافه حين أمر أهله بتحريقه وتذرية نصفه في البر ونصفه في البحر ، مع أنه لم يعمل خيرا قط . وقال : والله ، لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ; فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر فجمع ما فيه . وقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : من خشيتك يا رب ، فغفر له ، أخرجاه في الصحيحين [12] .
فإذا كان مع شكه في القدرة والمعاد ، إذا فعل ذلك غفر له بخوفه من الله ، علم أن الخوف من الله من أعظم أسباب المغفرة للأمور الحقيقية ، إذا قدر أنها ذنوب .
				
						
						
