الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل ) [1]

                  قال الرافضي [2] : " وقال عند احتضاره : ليت أمي لم تلدني ! يا ليتني [3] كنت تبنة في لبنة ، مع أنهم [ قد ] [4] نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما من محتضر يحتضر إلا ويرى مقعده من الجنة والنار [5] " .

                  والجواب : أن تكلمه بهذا عند الموت غير معروف ، بل هو باطل بلا ريب ، بل الثابت عنه أنه لما احتضر ، وتمثلت عنده عائشة بقول الشاعر :

                  لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر



                  فكشف عن وجهه ، وقال : ليس كذلك ، ولكن قولي : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) [ سورة ق : 19 ] .

                  [ ص: 483 ] ولكن نقل عنه أنه قال في صحته : ليت أمي لم تلدني ! ونحو هذا قاله خوفا - إن صح النقل عنه . ومثل هذا الكلام منقول عن جماعة أنهم قالوه خوفا وهيبة من أهوال يوم القيامة ، حتى قال بعضهم : لو خيرت بين أن أحاسب وأدخل الجنة ، وبين أن أصير ترابا ، لاخترت أن أصير ترابا . وروى الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال : والله لوددت أني شجرة تعضد ، وقد روى أبو نعيم في " حلية الأولياء " [6] قال : حدثنا سليمان بن أحمد [7] ، حدثنا محمد بن علي الصائغ ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا السري بن يحيى . قال [8] : قال عبد الله بن مسعود : " لو وقفت بين الجنة والنار ، فقيل لي : اختر في أيهما تكون ، أو تكون رمادا ، لاخترت أن أكون رمادا " [9] .

                  وروى الإمام أحمد بن حنبل [10] : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قال رجل عند عبد الله بن مسعود : ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين ، أكون من المقربين أحب إلي . فقال عبد الله بن مسعود : لكن هاهنا رجل ود أنه إذا مات لم يبعث ، يعني نفسه .

                  والكلام في مثل هذا [11] : هل هو مشروع أم لا ؟ له موضع آخر . لكن [ ص: 484 ] الكلام الصادر عن خوف العبد من الله يدل على إيمانه بالله ، وقد غفر الله لمن خافه حين أمر أهله بتحريقه وتذرية نصفه في البر ونصفه في البحر ، مع أنه لم يعمل خيرا قط . وقال : والله ، لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ; فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر فجمع ما فيه . وقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : من خشيتك يا رب ، فغفر له ، أخرجاه في الصحيحين [12] .

                  فإذا كان مع شكه في القدرة والمعاد ، إذا فعل ذلك غفر له بخوفه من الله ، علم أن الخوف من الله من أعظم أسباب المغفرة للأمور الحقيقية ، إذا قدر أنها ذنوب .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية