الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ثم ذكر الرازي :

                  ( البرهان الثاني [1] : وهو أن الفعل ممكن الوجود في الأزل لثلاثة أوجه :

                  أحدها : أنه لو [ لم يكن كذلك ] لكان ممتنعا ، ثم صار ممكنا ، ولكان الممتنع [2] لذاته قد انقلب ممكنا لذاته [3] ، وهذا يرفع الأمان [4] عن القضايا العقلية [5] .

                  [ ص: 247 ] . وثانيها : أنه ممكن فيما لا يزال ، فإن كان إمكانه لذاته ، أو لعلة دائمة لزم دوام الإمكان ، وإن كان لعلة حادثة كان باطلا ; لأن الكلام في إمكان حدوث تلك العلة كالكلام في إمكان حدوث غيرها ، فيلزم دوام إمكان [6] الفعل .

                  وثالثها : أن امتناع الفعل إن كان لذاته ، أو لسبب واجب لذاته [7] لزم دوام الامتناع ، وهو باطل بالحس والضرورة وإجماع العقلاء لوجود الممكنات ، وإن كان لسبب غير واجب امتنع كونه قديما ، فإن ما وجب قدمه امتنع عدمه ، ثم الكلام [8] فيه كالكلام في الأول ، [ فكونه ممتنعا في الأزل لعلة حادثة ظاهر البطلان ، فإن القديم لا يكون لعلة حادثة ] [9] ) .

                  قال [10] : ( فثبت أنه لا يمكن دعوى امتناع حصول الممكنات في الأزل ، ولا يمكن أن يقال : المؤثر [11] ما كان يمكن أن يؤثر فيه ، ثم صار يمكن ، فإن القول في امتناع التأثير وإمكانه كالقول في امتناع وجود الأثر وإمكانه ) .

                  قال [12] : فثبت أن استناد الممكنات إلى المؤثر لا يقتضي تقدم العدم عليها .

                  [ ص: 248 ] . قال [13] : ( وعلى هذه الطريقة إشكال ; لأنا نقول : ( الحادث ) إذا اعتبرناه من حيث كونه مسبوقا بالعدم ، فهو مع هذا الشرط لا يمكن أن يقال : بأن إمكانه يتخصص بوقت دون وقت لما ذكرتموه من الأدلة ، فإذن [14] إمكانه ثابت دائما ، ثم لا يلزم من دوام إمكانه خروجه عن الحدوث ; لأنا لما أخذناه من حيث كونه مسبوقا بالعدم كانت مسبوقيته بالعدم جزءا ذاتيا له ، والجزء الذاتي لا يرفع ، وإذا لم يلزم من إمكان حدوث الحادث من حيث إنه حادث خروجه عن كونه حادثا ، فقد بطلت هذه الحجة ) .

                  قال [15] : ( فهذا شك لا بد من حله ) .

                  قلت : فيقال : [16] هذا الشك هو المعارضة التي اعتمد عليها في كتبه الكلامية ( كالأربعين ) [17] ، وغيره ، وعليها اعتمد الآمدي في ( دقائق الحقائق ) ، وغيره [18] ، وهي باطلة لوجهين : أحدهما : أنه ليس فيها جواب عن حجتهم ، بل هي معارضة محضة ، الثاني : أن يقال : قوله ( الحادث ) [ ص: 249 ] إذا ( 1 اعتبر من حيث هو حادث أتعني به إذا قدر أن الحوادث كلها لها أول ، فإذا 1 ) [19] اعتبر مع ذلك إمكانها ، فلا أول له ، أم تعني به أن كل حادث تعتبره إذا اعتبر إمكانه ؟ .

                  فإن عنيت الأول قيل لك [20] : لا نسلم إمكان هذا التقدير ، فإنك قدمت أنه لا بد لكل حادث من أول وجملة الحوادث مسبوقة بالعدم وأن لا يكون الفاعل أحدث شيئا ثم أحدث ، وقدرت [ مع ] [21] ذلك أن إحداثه لم يزل ممكنا ، ونحن لا نسلم إمكان الجمع بين هذين ، فأنت [22] إنما منعت دوام كونه محدثا في الأزل لامتناع حوادث لا أول لها ، ومع امتناع ذلك يستحيل أن يكون الإحداث لم يزل ممكنا ، فقد قدرت إمكان دوام الحدوث [23] مع امتناع دوامه ، وهذا تقدير لاجتماع النقيضين .

                  وأما إن عنيت بما تقدره حدوث حادث معين ، فلا نسلم أن إمكانه أزلي ، بل حدوث كل حادث معين جاز أن يكون مشروطا بشروط تنافي أزليته ، وهذا هو الواقع ، كما يعلم ذلك في كثير من الحوادث ، فإن حدوث ما هو مخلوق من مادة يمتنع قبل وجود المادة ، [ ولكن الجواب عن هذه الحجة أنها لا تقتضي إمكان قدم شيء بعينه ، كما قد بسط في موضع آخر ، فلا يلزم من ذلك إمكان قدم شيء بعينه من الممكنات ، وهو المطلوب ] [24] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية