الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 521 ] ( فصل ) [1]

                  قال الرافضي [2] : " وخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - [3] في توريث بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنعها فدكا [4] ، وتسمى بخليفة [5] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يستخلفه " .

                  والجواب : أما الميراث فجميع المسلمين مع أبي بكر في ذلك ، ما خلا بعض الشيعة ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، وبينا أن هذا من العلم الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن قول الرافضة باطل قطعا .

                  وكذلك ما ذكر من فدك ، والخلفاء بعد أبي بكر على هذا القول ، وأبو بكر وعمر لم يتعلقا من فدك ولا غيرها من العقار بشيء ولا أعطيا أهلهما من ذلك شيئا ، وقد أعطيا بني هاشم أضعاف أضعاف ذلك .

                  ثم لو احتج محتج بأن عليا كان يمنع المال ابن عباس وغيره من بني هاشم ، حتى أخذ ابن عباس بعض مال البصرة وذهب له ، لم يكن الجواب عن علي إلا بأنه إمام عادل قاصد للحق ، لا يتهم في ذلك .

                  وهذا الجواب هو في حق أبي بكر بطريق الأولى والأحرى ، وأبو بكر [ ص: 522 ] أعظم محبة لفاطمة ومراعاة لها من علي لابن عباس ، وابن عباس بعلي أشبه من فاطمة بأبي بكر ; فإن فضل أبي بكر على فاطمة أعظم من فضل علي على ابن عباس .

                  وليس تبرئة [6] الإنسان لفاطمة من الظن والهوى بأولى من تبرئة [7] أبي بكر ; فإن أبا بكر إمام لا يتصرف لنفسه ، بل للمسلمين ، والمال لم يأخذه لنفسه ، بل للمسلمين ، وفاطمة تطلب لنفسها ، وبالضرورة نعلم [8] أن بعد الحاكم عن اتباع الهوى أعظم من بعد الخصم الطالب لنفسه ; فإن علم أبي بكر وغيره بمثل [9] هذه القضية لكثرة مباشرتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من علم فاطمة .

                  وإذا كان أبو بكر أولى بعلم مثل [10] ذلك ، وأولى بالعدل ، فمن جعل فاطمة أعلم [11] منه في ذلك وأعدل ، كان من أجهل الناس ، لا سيما وجميع المسلمين الذين لا غرض لهم هم [12] مع أبي بكر في هذه المسألة ، فجميع أئمة الفقهاء عندهم أن الأنبياء لا يورثون مالا ، وكلهم يحب فاطمة ويعظم قدرها - رضي الله عنها - ، لكن لا يترك ما علموه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد من الناس ، ولم يأمرهم الله ورسوله أن يأخذوا دينهم من غير محمد - صلى الله عليه وسلم - : لا عن أقاربه ، ولا عن غير أقاربه ، وإنما أمرهم الله بطاعة الرسول واتباعه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية