فصل [1]
قال الرافضي [2] : " ولما وعظت فاطمة [3] . أبا بكر في فدك ، كتب لها كتابا بها [4] ، وردها عليها ، فخرجت من عنده ، [ ص: 31 ] فلقيها [5] عمر بن الخطاب فحرق [6] الكتاب ، فدعت عليه بما فعله أبو لؤلؤة به ، وعطل حدود [7] الله فلم يحد المغيرة بن شعبة ، وكان يعطي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيت المال أكثر مما ينبغي ، وكان [8] . يعطي عائشة وحفصة في كل سنة عشرة آلاف درهم ، وغير حكم الله في المنفيين [9] ، وكان قليل المعرفة في الأحكام " .
والجواب : أن هذا من الكذب الذي لا يستريب [10] فيه عالم ، ولم يذكر هذا أحد من أهل العلم بالحديث ، ولا يعرف له إسناد ، وأبو بكر لم يكتب فدكا قط لأحد لا لفاطمة ، ولا غيرها [11] ، ولا دعت فاطمة على عمر .
وما فعله أبو لؤلؤة كرامة في حق عمر - رضي الله عنه - وهو أعظم مما فعله ابن ملجم بعلي - رضي الله عنه ، وما فعله قتلة الحسين - رضي الله عنه - به . فإن أبا لؤلؤة كافر قتل عمر كما يقتل الكافر المؤمن ، وهذه الشهادة أعظم من شهادة من يقتله مسلم ؛ فإن قتيل الكافر أعظم درجة من قتيل المسلمين [12] ، وقتل أبي لؤلؤة لعمر كان بعد موت فاطمة بمدة [ ص: 32 ] خلافة أبي بكر وعمر إلا ستة أشهر ، فمن أين يعرف [13] أن قتله كان بسبب دعاء حصل في تلك المدة .
والداعي إذا دعا على مسلم بأن يقتله كافر ، كان ذلك دعاء [14] له لا عليه ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لأصحابه بنحو ذلك ، كقوله : " يغفر الله لفلان " فيقولون : لو أمتعتنا به ! [ وكان ] [15] . إذا دعا لأحد بذلك استشهد
[16] ولو قال قائل : إن عليا ظلم أهل صفين والخوارج حتى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم ، لم يكن هذا أبعد عن المعقول من هذا ، وكذلك لو قال : إن آل [ سفيان بن ] حرب [17] دعوا على الحسين بما فعل به .
[ ص: 33 ] وذلك أن عمر لم يكن له غرض في فدك ؛ [ لم ] [18] يأخذها لنفسه ولا لأحد من أقاربه وأصدقائه ، ولا كان له غرض في حرمان [ أهل ] [19] . بيت النبي - صلى الله عليه وسلم ، بل كان يقدمهم في العطاء على جميع الناس ، ويفضلهم في العطاء على جميع الناس ، حتى أنه لما وضع الديوان للعطاء ، وكتب أسماء الناس ، قالوا : نبدأ بك ؟ قال : لا ابدأوا بأقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وضعوا عمر حيث وضعه الله ، فبدأ ببني هاشم ، وضم إليهم بني المطلب ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ، إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام " [20] فقدم العباس وعليا والحسن والحسين ، وفرض لهم أكثر مما فرض لنظرائهم من سائر القبائل ، وفضل أسامة بن زيد على ابنه عبد الله في العطاء ، فغضب ابنه وقال : تفضل علي أسامة ؟ قال : فإنه كان أحب إلى رسول الله منك ، وكان أبوه أحب إلى [ رسول الله ] من أبيك [21] .
وهذا الذي ذكرناه من تقديمه بني هاشم وتفضيله لهم أمر مشهور عند جميع العلماء بالسير ، لم يختلف فيه اثنان ، فمن تكون هذه مراعاته لأقارب الرسول وعترته ، أيظلم أقرب الناس إليه ، وسيدة نساء أهل الجنة وهي مصابة [ به ] [22] في يسير من المال ، وهو يعطي أولادها أضعاف [ ص: 34 ] ذلك المال ، ويعطي من هو أبعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ويعطي عليا ؟ ! .
ثم العادة الجارية بأن طلاب الملك والرياسة لا يتعرضون للنساء ، بل يكرمونهن لأنهن لا يصلحن للملك ، فكيف يجزل [23] العطاء للرجال ، والمرأة يحرمها من حقها ، لا لغرض أصلا لا ديني ولا دنيوي ؟ !


