الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قول الرافضي : " وعطل حدود الله فلم يحد المغيرة بن شعبة " .

                  فالجواب : أن جماهير العلماء على ما فعله عمر في قصة المغيرة ، وأن البينة إذا لم تكمل حد الشهود ، ومن قال بالقول الآخر لم ينازع في أن هذه مسألة اجتهاد ، وقد تقدم أن ما يرد على علي بتعطيل إقامة [1] القصاص والحدود على قتلة عثمان أعظم ، فإذا كان القادح في علي مبطلا ، فالقادح في عمر أولى بالبطلان .

                  والذي فعله بالمغيرة كان بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم ، وأقروه على ذلك ، وعلي منهم ، والدليل على إقرار علي [ له ] [2] . أنه لما جلد الثلاثة الحد ، أعاد أبو بكرة القذف ، وقال : والله لقد زنى ، فهم عمر بجلده ثانيا ، فقال له علي : إن كنت جالده فارجم المغيرة ، يعني أن هذا القول إن كان هو الأول [3] . فقد حد عليه ، وإن جعلته [4] بمنزلة قول ثان فقد [ ص: 35 ] تم النصاب [ أربعة ] [5] ، فيجب رجمه [6] . فلم يحده عمر [7] ، وهذا دليل على رضا علي بحدهم أولا [8] . دون الحد الثاني ، وإلا كان أنكر حدهم أولا ، كما أنكر الثاني .

                  وكان من هو دون علي يراجع عمر ويحتج عليه بالكتاب والسنة ، فيرجع عمر إلى قوله ؛ فإن عمر كان وقافا عند كتاب الله - تعالى - .

                  روى البخاري عن ابن عباس قال [9] : " قدم عيينة بن حصن على [ ابن ] [10] أخيه الحر بن قيس [11] ، وكان من النفر الذين [12] يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس [13] عمر كهولا [14] كانوا أو شبانا . فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي لك وجه [15] عند هذا الأمير فاستأذن [16] لي عليه . فقال : سأستأذن لك عليه ، قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعيينة ، فأذن [ ص: 36 ] له عمر ، فلما دخل عليه قال : هيه يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به [17] . فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله - تعالى - قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ سورة الأعراف : 199 ] وإن هذا من الجاهلين ، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان عمر وقافا عند كتاب الله " .

                  وعمر - رضي الله عنه - من المتواتر عنه أنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم ، حتى أنه أقام على ابنه الحد لما شرب [18] بمصر ، بعد أن كان عمرو بن العاص ضربه الحد ، [ لكن ] [19] كان [20] ضربه سرا في البيت ، وكان الناس يضربون علانية ، فبعث عمر إلى عمرو يزجره ويتهدده [21] ، لكونه حابى ابنه ، ثم طلبه فضربه مرة ثانية ، فقال له عبد الرحمن : ما لك هذا ، فزجر عبد الرحمن ، وما روي أنه ضربه بعد الموت فكذب على عمر ، وضرب الميت لا يجوز [22] .

                  وأخبار عمر المتواترة في إقامة الحدود ، وأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم ، أكثر من أن تذكر هنا .

                  [ ص: 37 ] وأي غرض كان لعمر في المغيرة بن شعبة ؟ ! وكان عمر عند المسلمين كالميزان العادل الذي لا يميل إلى ذا الجانب ولا ذا الجانب .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية