الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 96 ] فصل [1]

                  قال الرافضي [2] : " وكان يضطرب في الأحكام فقضى في الجد بمائة قضية " [3] .

                  والجواب : أن عمر - رضي الله عنه - أسعد الصحابة المختلفين في الجد بالحق ؛ فإن الصحابة في الجد مع الإخوة على قولين : أنه يسقط الإخوة ، وهذا قول أبي بكر وأكثر الصحابة ، كأبي بن كعب ، وأبي موسى ، وابن عباس ، وابن الزبير ، ويذكر عن أربعة عشر منهم ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد ، كابن سريج من أصحاب الشافعي ، وأبي حفص البرمكي من أصحاب أحمد ، ويذكر هذا رواية عن أحمد .

                  وهذا القول هو الصحيح ، فإن نسبة بني الإخوة من الأب إلى الجد ، كنسبة الأعمام بني الجد إلى الجد أبي الأب ، وقد اتفق المسلمون على أن الجد أبا الأب أولى من الأعمام ، فيجب أن يكون الجد أبو الأب أولى من الإخوة .

                  وأيضا فإن الإخوة لو كانوا لكونهم يدلون ببنوة الأب بمنزلة الجد ، لكان أبناؤهم ، وهم بنو الإخوة ، كذلك . فلما كان أولادهم ليسوا [ ص: 97 ] بمنزلتهم ، علم أنهم لا يتقدمون ببنوة الأب ، ألا ترى أن الابن لما كان أولى من الجد كان ابنه [ - ابن الابن - ] [4] بمنزلته ؟

                  وأيضا فإن الجدة كالأم ، فيجب أن يكون الجد كالأب ، ولأن الجد يسمى أبا ، وهذا القول هو إحدى الروايتين عن عمر .

                  والقول الثاني : أن الجد يقاسم الإخوة ، وهذا قول علي وزيد وابن مسعود ، وروي عن عثمان القولان ، ولكنهم مختلفون في التفصيل [5] اختلافا متباينا .

                  وجمهور أهل هذا القول على مذهب زيد ، كمالك والشافعي وأحمد ، وأما قول علي في الجد فلم يذهب إليه أحد من أئمة الفقهاء ، وإنما يذكر عن ابن أبي ليلى أنه كان يقضي به ، ويذكر عن علي فيه أقوال مختلفة ، فإن كان القول الأول هو الصواب ، فهو قول لعمر ، وإن كان الثاني فهو قول لعمر .

                  وإنما نفذ قول زيد في الناس لأنه كان قاضي عمر ، وكان عمر ينفذ قضاءه [6] في الجد لورعه ، لأنه كان يرى أن الجد كالأب مثل قول أبي بكر ، فلما صار جدا تورع [7] وفوض الأمر في ذلك لزيد .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية