الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل [1]

                  قال الرافضي [2] : " وأمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر ، فقال له علي : إن خاصمتك بكتاب الله - تعالى - خصمتك ، إن الله يقول : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ سورة الأحقاف : 15 ] وقال - تعالى - : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) [ سورة البقرة : 233 ] " .

                  والجواب : أن عمر كان يستشير الصحابة ، فتارة يشير عليه عثمان بما يراه صوابا ، وتارة يشير عليه علي ، وتارة يشير عليه عبد الرحمن بن عوف ، وتارة يشير عليه غيرهم . وبهذا مدح الله المؤمنين بقوله - تعالى - : ( وأمرهم شورى بينهم ) [ سورة الشورى : 38 ] والناس متنازعون في المرأة إذا ظهر بها [ ص: 94 ] حمل ولم يكن لها زوج ولا سيد ولا ادعت شبهة : هل ترجم ؟ فمذهب مالك وغيره من أهل المدينة والسلف : أنها ترجم ، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين ، ومذهب أبي حنيفة والشافعي : لا ترجم ، وهي الرواية الثانية عن أحمد ، قالوا : لأنها قد تكون مستكرهة على الوطء ، أو موطوءة بشبهة ، أو حملت بغير وطء .

                  والقول الأول هو الثابت عن الخلفاء الراشدين ، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطاب خطب الناس في آخر عمره ، وقال : الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف [3] . فجعل الحبل دليلا على ثبوت الزنا كالشهود ، وهكذا [4] هذه القضية ، وكذلك اختلفوا في الشارب هل يحد إذا تقيأ أو وجدت منه الرائحة ؟ على قولين ؛ والمعروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه [5] الراشدين أنهم كانوا يحدون بالرائحة وبالقيء [6] ، وكان الشاهد إذا شهد أنه تقيأها كان كشهادته بأنه شربها ، والاحتمالات البعيدة هي مثل احتمال غلط الشهود أو كذبهم ، وغلطه في [ ص: 95 ] الإقرار أو كذبه ، بل هذه الدلائل الظاهرة يحصل بها من العلم ما لا يحصل بكثير من الشهادات والإقرارات .

                  والشهادة على الزنا لا يكاد يقام بها حد ، وما أعرف حدا أقيم بها [7] ، وإنما تقام الحدود [8] إما باعتراف ، وإما بحبل ، ولكن يقام بها ما دون الحد ، كما إذا رئيا متجردين في لحاف ونحو [9] ذلك ، فلما كان معروفا عند الصحابة أن الحد يقام بالحبل ، فلو ولدت المرأة لدون ستة أشهر أقيم عليها الحد .

                  والولادة لستة أشهر نادرة إلى الغاية ، والأمور النادرة قد لا تخطر بالبال ، فأجرى عمر ذلك على الأمر المعتاد المعروف في النساء ، كما في أقصى الحمل ، فإن المعروف من النساء أن المرأة تلد لتسعة أشهر ، وقد يوجد قليلا من تلد لسنتين ، ووجد نادرا من ولدت لأربع سنين ، ووجد من ولدت لسبع سنين ، فإذا ولدت امرأة بعد إبانة زوجها لهذه المدة ، فهل يلحقه النسب ؟ فيه نزاع معروف ، وهذه من مسائل الاجتهاد . فكثير من العلماء يحد لأقصى الحمل المدة النادرة ، هذا يحد سنتين ، وهذا يحد أربعا [10] ، وهذا يحد سبعا ، ومنهم من يقول : هذا أمر نادر لا يلتفت إليه ، وإذا أبانها وجاءت بالولد على خلاف المعتاد ، مع ظهور كونه من غيره ، لم يجب إلحاقه به .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية