[ ص: 100 ] فصل [1]
[2] : " وكان يفضل في الغنيمة والعطاء ، وأوجب [3] الله - تعالى - التسوية " . قال الرافضي
والجواب : أما الغنيمة فلم يكن يقسمها هو بنفسه ، وإنما يقسمها الجيش الغانمون بعد الخمس ، وكان الخمس يرسل إليه ، كما يرسل إلى غيره ، فيقسمه بين أهله ، ولم يقل ولا غيره : إن الغنيمة يجب فيها التفضيل ، ولكن تنازع العلماء : عمر ، إذا تبين هل للإمام أن يفضل بعض الغانمين على بعض [4] له زيادة نفع ؟
فيه قولان للعلماء ، هما روايتان عن ، إحداهما أحمد [5] : أن ذلك جائز ، وهو مذهب ، أبي حنيفة ، رواه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفل في بدايته الربع بعد الخمس ، وفي رجعته الثلث بعد الخمس وغيره أبو داود [6] .
وهذا تفضيل لبعض الغانمين من أربعة الأخماس ، ولأن في [ ص: 101 ] الصحيح [7] صحيح مسلم سهم راجل وفارس في غزوة الغابة ، وكان راجلا ، لأن أتى من القتل والغنيمة وإرهاب العدو بما لم يأت به غيره سلمة بن الأكوع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى [8] .
والقول الثاني : لا يجوز ذلك ، وهو مذهب مالك ، والشافعي يقول : لا يكون النفل إلا من الخمس ، ومالك يقول : لا يكون إلا من خمس الخمس . والشافعي
وقد ثبت في الصحيح [9] عن قال : ابن عمر نجد ، فبلغت سهماننا [10] اثنى عشر بعيرا ، ونفلنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيرا بعيرا غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل [11] . وهذا النفل لا يقوم به خمس الخمس .
وفي الجملة فهذه مسألة اجتهاد ، فإذا كان يسوغ التفضيل للمصلحة ، فهو الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه عمر [12] .
وأما التفضيل في العطاء فلا ريب أن كان يفضل فيه ويجعل [ ص: 102 ] الناس فيه على مراتب ، وروي عنه أنه قال : لئن عشت إلى قابل لأجعلن الناس بابا عمر [13] واحدا ، أي نوعا واحدا .
وكان يسوي في العطاء ، وكان أبو بكر يسوي أيضا ، وكان علي يفضل ، وهي مسألة اجتهاد ، عثمان ؟ على قولين هما روايتان عن فهل للإمام التفضيل فيه للمصلحة ، والتسوية في العطاء اختيار أحمد أبي حنيفة ، والتفضيل قول والشافعي . مالك
وأما قول القائل : " إن الله أوجب التسوية فيه " .
فهو لم يذكر على ذلك دليلا ، ولو ذكر دليلا لتكلمنا عليه ، كما نتكلم في مسائل الاجتهاد ، والذين أمروا بالتسوية من العلماء احتجوا بأن الله قسم المواريث بين الجنس الواحد بالسواء ، ولم يفضل أحدا بصفة ، وأجاب المفضلون بأن تلك تستحق بسبب لا بعمل [14] . واحتجوا ، كما ثبت في الصحيحين بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى في المغانم بين الجنس الواحد ، فأعطى الراجل سهما واحدا ، وأعطى الفارس ثلاثة أسهم [15] . . وهو قول الجمهور : مالك والشافعي . وقيل : [ ص: 103 ] أعطاه سهمين ، وهو قول وأحمد ، وقد روي في ذلك أحاديث ضعيفة ، والثابت في الصحيحين أبي حنيفة أنه عام خيبر أعطى الفارس ثلاثة أسهم : سهما له ، وسهمين لفرسه ، وكانت الخيل مائتي فرس ، وكانوا أربعة عشر مائة ، فقسم خيبر على ثمانية عشر سهما ، كل مائة في سهم ، فأعطى أهل الخيل ستمائة سهم ، وكانوا مائتين ، وأعطى ألفا ومائتين لألف ومائتي رجل ، وكان أكثرهم ركبانا على الإبل ، فلم يسهم للإبل عام خيبر [16] .
والمجوزون للتفضيل قالوا : بل الأصل التسوية ، وكان أحيانا يفضل ، فدل على جواز التفضيل ، وهذا القول أصح : أن [17] الأصل التسوية ، وأن التفضيل لمصلحة راجحة جائز .
وعمر لم يفضل لهوى ولا حابى ، بل قسم المال على الفضائل الدينية ، فقدم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، ثم من بعدهم [ من ] [18] الصحابة ، ثم من بعدهم ، وكان ينقص نفسه وأقاربه عن نظرائهم ، فنقص ابنه وابنته عمن كانا أفضل منه .
[ ص: 104 ] وإنما يطعن في تفضيل من فضل لهوى ، أما من كان قصده وجه الله - تعالى وطاعة رسوله ، وتعظيم من عظمه الله ورسوله ، وتقديم من قدمه الله ورسوله - فهذا يمدح ولا يذم .
ولهذا كان يعطي عليا والحسن ما لا يعطي لنظرائهم ، وكذلك سائر أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولو سوى لم يحصل لهم إلا بعض ذلك . والحسين
وأما الخمس فقد اختلف اجتهاد العلماء فيه ، فقالت طائفة : سقط بموت النبي - صلى الله عليه وسلم ، ولا يستحق أحد من بني هاشم شيئا بالخمس ، إلا أن يكون فيهم يتيم أو مسكين ، فيعطى لكونه يتيما أو مسكينا ، وهذا مذهب وغيره . أبي حنيفة
وقالت طائفة : بل هو لذي قربى ولي الأمر بعده ، فكل ولي أمر [19] يعطي أقاربه ، وهذا قول طائفة ، منهم [ و ] الحسن أبو ثور [20] فيما أظن [21] . وقد نقل هذا القول عن . عثمان
وقالت طائفة : بل الخمس يقسم خمسة أقسام التسوية ، وهذا قول الشافعي في المشهور عنه . وأحمد
وقالت طائفة : بل الخمس إلى اجتهاد الإمام يقسمه بنفسه في طاعة الله ورسوله كما يقسم الفيء ، وهذا قول أكثر السلف ، وهو قول ومذهب عمر بن عبد العزيز أهل المدينة ؛ وغيره ، وهو الرواية الأخرى عن [ ص: 105 ] مالك ، وهو أصح الأقوال ، وعليه يدل الكتاب والسنة ، كما قد بسطناه في موضعه . أحمد
فمصرف الفيء والخمس واحد ، فكان ديوان العطاء الذي لعمر يقسم فيه الخمس والعطاء جميعا .
وأما ما يقوله الرافضة من أن خمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم ويصرف إلى من يرونه هو نائب الإمام المعصوم أو إلى غيره ، فهذا قول لم يقله قط أحد من الصحابة : لا ولا غيره ، ولا أحد من التابعين لهم بإحسان ، ولا أحد من القرابة : لا علي بني هاشم ولا غيرهم .
وكل من نقل هذا عن أو علماء أهل بيته ، علي كالحسن والحسين وعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر ، فقد كذب عليهم ، فإن هذا خلاف المتواتر من سيرة وجعفر بن محمد - رضي الله عنه ، فإنه قد تولى الخلافة أربع سنين وبعض أخرى ، ولم يأخذ من المسلمين من أموالهم شيئا ، بل لم يكن في ولايته قط خمس مقسوم ، أما المسلمون فما خمس لا هو ولا غيره أموالهم ، وأما الكفار فإذا غنمت منهم الأموال علي [22] خمست بالكتاب والسنة ، لكن في عهده لم يتفرغ المسلمون لقتال الكفار ، بسبب ما وقع بينهم من الفتنة والاختلاف .
وكذلك من المعلوم بالضرورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخمس أموال المسلمين ، ولا طالب أحدا [23] قط من المسلمين بخمس [ ص: 106 ] ماله ، بل إنما كان يأخذ منهم الصدقات ، ويقول : ليس لآل محمد منها شيء ، وكان يأمرهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم ، وكان هو - صلى الله عليه وسلم - يقسم ما أفاء الله على المسلمين : يقسم الغنائم بين أهلها ، ويقسم الخمس والفيء .
وهذه هي الأموال المشتركة السلطانية التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه يتولون قسمتها [24] . وقد صنف العلماء لها كتبا مفردة ، وجمعوا بينها في مواضع : يذكرون قسم الغنائم والفيء والصدقة .
والذي تنازع فيه أهل العلم لهم فيه مأخذ ، فتنازعوا في الخمس ، لأن الله - تعالى - قال في القرآن : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ) [ سورة الأنفال : 41 ] .
وقال في الفيء : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) [ سورة الحشر : 7 ] .
وقد قال قبل ذلك : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ) [ سورة الحشر : 6 ] .
وأصل الفيء الرجوع ، والله خلق الخلق لعبادته ، وأعطاهم الأموال يستعينون بها على عبادته ، فالكفار لما كفروا بالله وعبدوا غيره لم يبقوا [ ص: 107 ] مستحقين للأموال ، فأباح الله لعباده قتلهم وأخذ أموالهم ، فصارت فيئا أعاده الله على عباده المؤمنين ، لأنهم هم المستحقون له ، وكل مال أخذ من الكفار قد يسمى فيئا حتى الغنيمة .
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في غنائم حنين : " " ليس لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم [25] .
لكن لما قال - تعالى - : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) [ سورة الحشر : 6 ] ، وقال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) [ سورة الحشر : 7 ] صار اسم الفيء عند الإطلاق لما أخذ من الكفار بغير قتال .
وجمهور العلماء على أن الفيء لا يخمس ، كقول مالك وأبي حنيفة ، وهذا قول السلف قاطبة ، وقال وأحمد الشافعي والخرقي ومن وافقه من أصحاب : يخمس ، والصواب قول الجمهور ، فإن السنن الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه تقتضي أنهم لم يخمسوا فيئا قط ، بل أموال بني النضيركانت أول الفيء ، ولم يخمسها النبي - صلى الله عليه وسلم ، بل خمس غنيمة أحمد بدر ، وخمس خيبر وغنائم حنين .
وكذلك الخلفاء بعده ، لم يكونوا يخمسون الجزية والخراج .
ومنشأ الخلاف أنه لما كان لفظ آية الخمس وآية الفيء واحدا ، اختلف فهم الناس للقرآن ، فرأت طائفة أن آية الخمس تقتضي أن يقسم الخمس بين الخمسة بالسوية ، وهذا قول الشافعي وأحمد وداود [ ص: 108 ] الظاهري ، لأنهم ظنوا أن هذا ظاهر القرآن ، ثم إن آية الفيء لفظها كلفظ آية الخمس ، فرأى بعضهم أن الفيء كله يصرف أيضا مصرف الخمس إلى هؤلاء الخمسة ، وهذا قول داود بن علي وأتباعه ، وما علمت أحدا من المسلمين قال هذا القول قبله .
وهو قول يقتضي فساد الإسلام إذا دفع الفيء كله إلى هذه الأصناف ، وهؤلاء يتكلمون أحيانا بما يظنونه ظاهر اللفظ ، ولا يتدبرون عواقب قولهم ، ورأى بعضهم أن قوله في آية الفيء : ( فلله وللرسول ولذي القربى ) [ سورة الحشر : 7 ] المراد بذلك : خمس الفيء ، فرأوا أن الفيء يخمس ، وهذا قول ومن وافقه من أصحاب الشافعي . أحمد
وقال الجمهور : هذا ضعيف جدا ، لأنه قال : ( فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) [ سورة الحشر : 7 ] ، لم يقل : خمسه لهؤلاء ، ثم قال : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) [ سورة الحشر : 8 ] ، ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) [ سورة الحشر : 9 ] والذين جاءوا من بعدهم ) [ سورة الحشر : 10 ] وهؤلاء هم المستحقون للفيء كله ، فكيف يقول : المراد خمسه ؟
وقد ثبت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لما قرأ هذه الآية قال : " هذه عمت المسلمين كلهم " .
وأما ومن وافقه فوافقوا هؤلاء على أن الخمس يستحقه هؤلاء ، لكن قالوا : إن سهم الرسول كان يستحقه في حياته ، وذوو قرباه كانوا يستحقونه لنصرهم له ، وهذا قد سقط بموته فسقط سهمهم ، كما سقط سهمه . أبو حنيفة
[ ص: 109 ] والشافعي قالا : بل يقسم سهمه بعد موته في مصرف الفيء ، إما في الكراع والسلاح ، وإما في المصالح مطلقا ، واختلف هؤلاء : وأحمد ؟ على قولين : أحدهما : نعم ، كما قاله هل كان الفيء ملكا للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته وبعض أصحاب الشافعي ، لأنه أضيف إليه ، والثاني : لم يكن ملكا له ، لأنه لم يكن يتصرف فيه تصرف المالك . أحمد
وقالت طائفة : ذوو القربى هم ذوو قربى [26] القاسم المتولي ، وهو الرسول في حياته ، ومن يتولى الأمر بعده .
واحتجوا بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " [27] يتولى الأمر بعده " ما أطعم الله نبيا طعمة إلا كانت لمن [28] .
والقول الخامس قول مالك وأهل المدينة وأكثر السلف : أن مصرف الخمس والفيء واحد ، وأن الجميع لله والرسول ، بمعنى أنه يصرف فيما أمر الله به ، والرسول هو المبلغ عن الله : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [ سورة الحشر : 7 ] .
[ ص: 110 ] وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : " " إني والله لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا ، وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت [29] . فدل على أنه يعطي المال لمن أمره الله به لا لمن يريد هو ، ودل على أنه أضافه إليه لكونه رسول الله لا لكونه مالكا له .
وهذا بخلاف نصيبه من المغنم وما وصي له به ، فإنه كان ملكه ، ولهذا سمي الفيء مال الله ، بمعنى أنه المال الذي يجب صرفه فيما أمر الله به ورسوله ؛ أي : في طاعة الله ، أي لا يصرفه أحد فيما يريد وإن كان مباحا ، بخلاف الأموال المملوكة .
وهذا بخلاف قوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) [ سورة النور : 33 ] فإنه لم يضفه إلى الرسول بل جعله مما آتاهم الله ، قالوا : وقوله - تعالى - : ( ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) [ سورة الحشر : 7 ] تخصيص هؤلاء بالذكر للاعتناء بهم ، لا لاختصاصهم بالمال ، ولهذا قال : ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) [ سورة الحشر : 7 ] أي لا تتداولونه وتحرمون الفقراء ، ولو كان مختصا بالفقراء لم يكن للأغنياء فضلا عن أن يكون دولة .
وقد قال - تعالى - : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) [ سورة الحشر : 7 ] فدل على أن الرسول هو القاسم للفيء والمغانم ، ولو كانت مقسومة محدودة كالفرائض ، لم يكن للرسول أمر فيها ولا نهي .
وأيضا فالأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه تدل على هذا القول ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخمس قط خمسا [ ص: 111 ] خمسة أجزاء ولا خلفاؤه ، ولا كانوا يعطون اليتامى مثل ما يعطون المساكين ، بل يعطون أهل الحاجة من هؤلاء وهؤلاء ، وقد يكون المساكين أكثر من اليتامى الأغنياء ، وقد كان [30] بالمدينة يتامى أغنياء فلم يكونوا يسوون بينهم وبين الفقراء ، بل ولا عرف أنهم أعطوهم ، بخلاف ذوي الحاجة ، والأحاديث في هذا كثيرة ليس هذا موضع ذكرها .