وأما الرافضي : " إنه طعن في كل واحد ممن اختاره للشورى ، وأظهر أنه يكره أن يتقلد أمر المسلمين ميتا كما تقلده حيا ، ثم تقلده بأن جعل الإمامة في ستة " . قول
فالجواب : أن عمر لم يطعن فيهم طعن من يجعل غيرهم أحق بالإمامة منهم ، بل لم يكن عنده أحق بالإمامة منهم ، كما نص على ذلك . لكن [ بين ] [1] عذره المانع له من تعيين واحد منهم ، وكره أن يتقلد ولاية معين ، ولم يكره أن يتقلد تعيين الستة ؛ لأنه قد علم أنه لا أحد أحق بالأمر منهم ، فالذي [2] علمه وعلم أن الله يثيبه عليه ولا تبعة عليه فيه [ إن ] [3] تقلده هو [4] [ ص: 158 ] اختيار الستة ، والذي [5] خاف أن يكون عليه فيه تبعة ، وهو تعيين واحد منهم ، تركه .
وهذا من كمال عقله ودينه - رضي الله عنه - . وليس كراهته لتقلده ميتا كما تقلده حيا لطعنه في تقلده حيا ؛ فإنه إنما تقلد الأمر حيا باختياره ، وبأن تقلده كان خيرا له وللأمة ، وإن كان خائفا من تبعة الحساب .
فقد والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) [ سورة المؤمنون : 60 ] . قالت : يا رسول الله ، أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يعاقب ؟ قال : " لا يا بنت عائشة [6] الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق [7] ويخاف أن لا يقبل منه " قال تعالى : ( [8] .
فخوفه [9] من التقصير في الطاعة من كمال الطاعة . والفرق بين تقلده حيا وميتا أنه في حياته كان رقيبا على نوابه ، متعقبا لأفعالهم ، يأمرهم بالحج كل عام ليحكم بينهم وبين الرعية ، فكان ما يفعلونه مما يكرهه يمكنه منعهم منه وتلافيه ، بخلاف ما بعد الموت ، فإنه لا يمكنه [ لا ] [10] منعهم مما يكرهه ، ولا تلافي ذلك ؛ فلهذا كره تقلد الأمر [11] ميتا .
[ ص: 159 ] وأما تعيين الستة فهو عنده واضح بين ، لعلمه أنهم أحق الناس بهذا الأمر .