وأما قوله : " ثم ناقص [1] فجعلها في أربعة ، ثم في ثلاثة ، ثم في واحد ، فجعل إلى الاختيار ، بعد أن وصفه بالضعف والقصور " . عبد الرحمن بن عوف
فالجواب [2] : أولا : أنه ينبغي لمن احتج بالمنقول أن يثبته [3] أولا . وإذا قال القائل : هذا غير معلوم الصحة ، لم يكن عليه حجة . والنقل الثابت في صحيح وغيره ليس فيه شيء من هذا ، بل هو يدل على نقيض هذا ، وأن الستة هم الذين جعلوا الأمر في ثلاثة ، ثم الثلاثة جعلوا الاختيار إلى البخاري واحد منهم ، ليس لعمر في ذلك أمر . عبد الرحمن بن عوف
وفي الحديث الثابت عن عمرو بن ميمون [4] [5] : " إن الناس يقولون : [ استخلف ، ] وإن الأمر [6] إلى هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض : أن عمر بن الخطاب لما طعن قال علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك ، ويشهدهم [ ص: 160 ] ، وليس له من عبد الله بن عمر [7] الأمر شيء ، فإن أصابت الخلافة سعدا ، وإلا فليستعن به من ولي ، فإني لم أعزله عن [8] عجز ولا خيانة " . ثم قال [9] : " أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله تعالى ، وأوصيه بالمهاجرين الأولين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم [10] : أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم : أن يقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، وأوصيه بأهل الأمصار [ خيرا ] [11] ، فإنهم ردء الإسلام ، وغيظ العدو ، وجباة الأموال ، لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضى منهم ، وأوصيه بالأعراب خيرا ، فإنهم أصل العرب ، ومادة الإسلام : أن يؤخذ منهم من حواشي [12] أموالهم فترد على فقرائهم ، وأوصيه بذمة الله ورسوله أن يوفى لهم بعهدهم ، ويقاتل من وراءهم [13] ، ولا يكلفوا إلا طاقتهم " .
فقد وصى [14] الخليفة من بعده بجميع أجناس الرعية السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وأوصاه بسكان الأمصار من المسلمين ، [ ص: 161 ] وأوصاه بأهل البوادي وبأهل الذمة . قال عمرو بن ميمون [15] : " فلما قبض انطلقنا نمشي ، فسلم . وقال : يستأذن عبد الله بن عمر عمر بن الخطاب [16] . قالت : أدخلوه ، فأدخل ، فوضع هنالك مع صاحبيه ، فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم . قال عبد الرحمن بن عوف : قد جعلت أمري إلى الزبير . وقال علي : قد جعلت أمري إلى طلحة . وقال عثمان سعد [17] : قد جعلت أمري إلى ] عبد الرحمن [ بن عوف [18] . وقال عبد الرحمن : أيكم يبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه ؟ والله عليه والإسلام لينظرن أفضل من في [19] نفسه . فأسكت الشيخان ، فقال عبد الرحمن : أتجعلونه إلي ؟ والله علي أن لا آلو عن أفضلكما . قالا : نعم . فأخذ بيد أحدهما ، فقال : لك قرابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقدم في الإسلام ما قد علمت ، والله عليك لئن أمرتك لتعدلن ، ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن . ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق قال : ارفع يدك يا . فبايعه ، وبايع له عثمان ، وولج أهل الدار فبايعوه علي [20] .
وفي الصحيحين من حديث قال المسور بن مخرمة [21] : " . . أن الرهط [ ص: 162 ] الذين ولاهم اجتمعوا فتشاوروا عمر [22] ، وقال لهم عبد الرحمن : لست بالذي أنافسكم في هذا الأمر ، ولكن [23] إن شئتم اخترت لكم منكم . فجعلوا ذلك لعبد الرحمن [24] بن عوف ، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم مال [25] الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط الذين ولاهم عمر [26] ، ولا يطأ عقبه " . قال [27] : " ومال الناس إلى عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي ، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها [28] ، قال المسور : طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل ، فضرب الباب حتى استيقظت فقال : أراك نائما ، والله [29] ما اكتحلت هذه الليلة [30] بكبير نوم ، انطلق فادع لي [31] الزبير وسعدا ، فدعوتهما [32] فشاورهما . ثم دعاني فقال [33] : ادع لي ، فدعوته ، فناجاه حتى ابهار الليل ، ثم قام علي من عنده ، وهو على طمع . وقد كان عليا عبد الرحمن يخشى من [ ص: 163 ] شيئا . ثم قال : ادع لي علي ، [ فدعوته ] عثمان [34] ، فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح ، فلما صلى الناس الصبح واجتمع [35] أولئك الرهط عند المنبر ، أرسل [36] إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار ، وأرسل إلى أمراء الأجناد ، وكانوا وافوا [37] تلك الحجة مع ، فلما اجتمعوا تشهد عمر عبد الرحمن ثم قال : أما بعد يا إني علي [38] قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون ، فلا تجعلن على نفسك سبيلا . فقال : أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده ، فبايعه بعثمان عبد الرحمن وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون " .