الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قول الرافضي : " إنه طعن في كل واحد ممن اختاره للشورى ، وأظهر أنه يكره أن يتقلد أمر المسلمين ميتا كما تقلده حيا ، ثم تقلده بأن جعل الإمامة في ستة " .

                  فالجواب : أن عمر لم يطعن فيهم طعن من يجعل غيرهم أحق بالإمامة منهم ، بل لم يكن عنده أحق بالإمامة منهم ، كما نص على ذلك . لكن [ بين ] [1] عذره المانع له من تعيين واحد منهم ، وكره أن يتقلد ولاية معين ، ولم يكره أن يتقلد تعيين الستة ؛ لأنه قد علم أنه لا أحد أحق بالأمر منهم ، فالذي [2] علمه وعلم أن الله يثيبه عليه ولا تبعة عليه فيه [ إن ] [3] تقلده هو [4] [ ص: 158 ] اختيار الستة ، والذي [5] خاف أن يكون عليه فيه تبعة ، وهو تعيين واحد منهم ، تركه .

                  وهذا من كمال عقله ودينه - رضي الله عنه - . وليس كراهته لتقلده ميتا كما تقلده حيا لطعنه في تقلده حيا ؛ فإنه إنما تقلد الأمر حيا باختياره ، وبأن تقلده كان خيرا له وللأمة ، وإن كان خائفا من تبعة الحساب .

                  فقد قال تعالى : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) [ سورة المؤمنون : 60 ] . قالت عائشة : يا رسول الله ، أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يعاقب ؟ قال : " لا يا بنت [6] الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق [7] ويخاف أن لا يقبل منه " [8] .

                  فخوفه [9] من التقصير في الطاعة من كمال الطاعة . والفرق بين تقلده حيا وميتا أنه في حياته كان رقيبا على نوابه ، متعقبا لأفعالهم ، يأمرهم بالحج كل عام ليحكم بينهم وبين الرعية ، فكان ما يفعلونه مما يكرهه يمكنه منعهم منه وتلافيه ، بخلاف ما بعد الموت ، فإنه لا يمكنه [ لا ] [10] منعهم مما يكرهه ، ولا تلافي ذلك ؛ فلهذا كره تقلد الأمر [11] ميتا .

                  [ ص: 159 ] وأما تعيين الستة فهو عنده واضح بين ، لعلمه أنهم أحق الناس بهذا الأمر .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية