الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 181 ] فصل [1]

                  قال الرافضي [2] : " وأما عثمان فإنه ولى أمور المسلمين من لا يصلح للولاية ، حتى ظهر من بعضهم الفسوق [3] ، ومن بعضهم الخيانة ، وقسم الولايات بين أقاربه ، وعوتب على ذلك مرارا فلم يرجع ، واستعمل الوليد بن عقبة ، حتى ظهر منه شرب الخمر ، وصلى بالناس وهو سكران . واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة ، وظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه أهل الكوفة منها . وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح [4] مصر حتى تظلم منه أهلها ، وكاتبه أن يستمر على ولايته سرا ، خلاف ما كتب إليه جهرا ، وأمر [5] بقتل محمد بن أبي بكر . وولى معاوية الشام ، فأحدث من الفتن ما أحدث . وولى عبد الله بن عامر [6] البصرة [7] [ ص: 182 ] ففعل من المناكير [8] ما فعل . وولى مروان أمره ، وألقى إليه مقاليد أموره ، ودفع إليه خاتمه ، فحدث من ذلك قتل عثمان ، وحدث من الفتنة بين الأمة ما حدث . وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال [9] ، حتى أنه دفع إلى أربعة نفر من قريش - زوجهم بناته - أربعمائة ألف دينار ، ودفع إلى مروان ألف [ ألف ] دينار [10] . وكان ابن مسعود يطعن عليه ويكفره ، ولما حكم ضربه حتى مات . وضرب عمارا حتى صار به فتق . وقد قال فيه [11] النبي - صلى الله عليه وسلم - : عمار جلدة بين عيني [12] تقتله الفئة الباغية ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة . وكان عمار يطعن عليه . وطرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم بن أبي العاص عم عثمان عن المدينة ، ومعه ابنه مروان ، فلم يزل هو - وابنه - طريدا [13] في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر . فلما ولي عثمان آواه ورده إلى المدينة ، وجعل مروان كاتبه وصاحب تدبيره . مع أن الله تعالى قال : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم ) الآية [ سورة المجادلة : 22 ] . [ ص: 183 ] ونفى أبا ذر إلى الربذة ، وضربه ضربا وجيعا ، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حقه : ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على [14] ذي لهجة أصدق من أبي ذر . وقال [15] : إن الله أوحى إلي أنه يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم . فقيل [16] : من هم يا رسول الله ؟ قال : سيدهم علي وسلمان والمقداد [17] وأبو ذر . وضيع حدود الله فلم يقتل [18] عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين [19] بعد إسلامه ، وكان أمير المؤمنين يطلب عبيد الله لإقامة القصاص عليه ، فلحق بمعاوية . وأراد أن يعطل حد الشرب [20] في الوليد بن عقبة [21] حتى حده [22] أمير المؤمنين ، وقال : لا يبطل حد الله [23] وأنا حاضر . وزاد الأذان الثاني يوم الجمعة ، وهو بدعة ، وصار [24] سنة [ ص: 184 ] إلى الآن . وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل ، وعابوا أفعاله ، وقالوا له : غبت عن بدر ، وهربت يوم أحد ، ولم تشهد بيعة الرضوان . والأخبار في ذلك [25] أكثر من أن تحصى " .

                  والجواب : أن يقال نواب علي خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال عثمان له وعصوه . وقد صنف الناس كتبا فيمن ولاه [26] علي فأخذ المال وخانه ، وفيمن تركه وذهب إلى معاوية . وقد ولى علي - رضي الله عنه - زياد بن أبي سفيان أبا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ، وولى الأشتر النخعي ، وولى محمد بن أبي بكر وأمثال هؤلاء .

                  ولا يشك عاقل أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - كان خيرا من هؤلاء كلهم .

                  ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن عليا كان أبلغ فيه من عثمان . فيقولون : إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية . ومعلوم أن عليا ولى أقاربه من قبل أبيه وأمه ، كعبد الله وعبيد الله ابني العباس . فولى عبيد الله [ بن عباس ] [27] على اليمن ، وولى على مكة والطائف قثم بن العباس . وأما المدينة فقيل : إنه ولى عليها سهل بن حنيف . وقيل : ثمامة بن العباس . وأما البصرة فولى عليها عبد الله بن عباس . وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره .

                  ثم إن الإمامية تدعي أن عليا نص على أولاده في الخلافة ، أو على [ ص: 185 ] ولده ، وولده على ولده الآخر ، وهلم جرا .

                  ومن المعلوم أنه إن كان تولية الأقربين منكرا ، فتولية الخلافة العظمى أعظم من إمارة بعض الأعمال [28] ، وتولية الأولاد أقرب إلى الإنكار من تولية بني العم . ولهذا كان الوكيل والولي الذي لا يشتري لنفسه لا يشتري لابنه [ أيضا ] [29] في أحد قولي العلماء ، والذي دفع إليه المال ليعطيه لمن يشاء [30] لا يأخذه لنفسه ولا يعطيه لولده في أحد قوليهم .

                  وكذلك تنازعوا في الخلافة : هل للخليفة أن يوصي بها لولده ؟ على قولين . والشهادة لابنه مردودة عند أكثر العلماء . ولا ترد الشهادة لبني عمه . وهكذا غير ذلك من الأحكام .

                  وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنت ومالك لأبيك " [31] . وقال : " ليس لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهبه لولده " . [32]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية