وأما قوله : أمر بقتل  محمد بن أبي بكر    . 
فهذا من الكذب المعلوم على  عثمان   . وكل ذي علم بحال  عثمان  وإنصاف له ، يعلم أنه لم يكن ممن يأمر بقتل  محمد بن أبي بكر  ولا أمثاله ، ولا عرف منه قط أنه قتل أحدا من هذا الضرب ، وقد سعوا في  [ ص: 245 ] قتله ، ودخل عليه محمد  فيمن دخل ، وهو لا يأمر بقتالهم دفعا عن نفسه ، فكيف يبتدئ بقتل معصوم الدم ؟ [1] 
وإن ثبت أن  عثمان  أمر بقتل  محمد بن أبي بكر  ، لم يطعن على  عثمان   . بل  عثمان  إن كان أمر بقتل  محمد بن أبي بكر  أولى بالطاعة ممن طلب قتل  مروان  ؛ لأن  عثمان  إمام هدى ، وخليفة راشد ، يجب عليه سياسة رعيته ، وقتل من لا يدفع شره إلا بالقتل [2]  . وأما الذين طلبوا قتل  مروان  فقوم خوارج مفسدون في الأرض ليس لهم قتل أحد ، ولا إقامة حد . وغايتهم أن يكونوا ظلموا في بعض الأمور ، وليس لكل مظلوم أن يقتل بيده كل من ظلمه ، بل ولا يقيم الحد . 
وليس  مروان  أولى بالفتنة والشر من  محمد بن أبي بكر  ، ولا هو أشهر بالعلم والدين منه . بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن  مروان  ، وله قول مع أهل الفتيا [3] ، واختلف في صحبته [4]  . 
 [ ص: 246 ]  ومحمد بن أبي بكر  ليس بهذه المنزلة عند الناس ، ولم يدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أشهرا قليلة : من ذي القعدة إلى أول شهر ربيع الأول ، فإنه ولد بالشجرة لخمس بقين من ذي القعدة عام حجة الوداع .  ومروان  من أقران  ابن الزبير  ، فهو قد أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويمكن أنه رآه عام فتح مكة  ، أو عام حجة الوداع . [ والذين ] [5] قالوا : لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : إن أباه كان بالطائف  ، فمات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبوه بالطائف  ، وهو مع أبيه . ومن الناس من يقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى أباه إلى الطائف  ، وكثير من أهل العلم ينكر ذلك ، ويقول : إنه ذهب باختياره ، وإن نفيه ليس له إسناد . 
وهذا إنما يكون بعد فتح مكة  ، فقد كان أبوه بمكة  مع سائر الطلقاء ، وكان هو قد قارب سن التمييز . 
وأيضا فقد يكون أبوه حج مع الناس ، فرآه في حجة الوداع ، ولعله قدم إلى المدينة   . فلا يمكن الجزم بنفي رؤيته للنبي - صلى الله عليه وسلم - . 
وأما أقرانه ، كالمسور بن مخرمة  ،  وعبد الله بن الزبير  ، فهؤلاء كانوا بالمدينة   . وقد ثبت أنهم سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					