الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : أمر بقتل محمد بن أبي بكر .

                  فهذا من الكذب المعلوم على عثمان . وكل ذي علم بحال عثمان وإنصاف له ، يعلم أنه لم يكن ممن يأمر بقتل محمد بن أبي بكر ولا أمثاله ، ولا عرف منه قط أنه قتل أحدا من هذا الضرب ، وقد سعوا في [ ص: 245 ] قتله ، ودخل عليه محمد فيمن دخل ، وهو لا يأمر بقتالهم دفعا عن نفسه ، فكيف يبتدئ بقتل معصوم الدم ؟ [1]

                  وإن ثبت أن عثمان أمر بقتل محمد بن أبي بكر ، لم يطعن على عثمان . بل عثمان إن كان أمر بقتل محمد بن أبي بكر أولى بالطاعة ممن طلب قتل مروان ؛ لأن عثمان إمام هدى ، وخليفة راشد ، يجب عليه سياسة رعيته ، وقتل من لا يدفع شره إلا بالقتل [2] . وأما الذين طلبوا قتل مروان فقوم خوارج مفسدون في الأرض ليس لهم قتل أحد ، ولا إقامة حد . وغايتهم أن يكونوا ظلموا في بعض الأمور ، وليس لكل مظلوم أن يقتل بيده كل من ظلمه ، بل ولا يقيم الحد .

                  وليس مروان أولى بالفتنة والشر من محمد بن أبي بكر ، ولا هو أشهر بالعلم والدين منه . بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن مروان ، وله قول مع أهل الفتيا [3] ، واختلف في صحبته [4] .

                  [ ص: 246 ] ومحمد بن أبي بكر ليس بهذه المنزلة عند الناس ، ولم يدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أشهرا قليلة : من ذي القعدة إلى أول شهر ربيع الأول ، فإنه ولد بالشجرة لخمس بقين من ذي القعدة عام حجة الوداع . ومروان من أقران ابن الزبير ، فهو قد أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويمكن أنه رآه عام فتح مكة ، أو عام حجة الوداع . [ والذين ] [5] قالوا : لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : إن أباه كان بالطائف ، فمات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبوه بالطائف ، وهو مع أبيه . ومن الناس من يقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى أباه إلى الطائف ، وكثير من أهل العلم ينكر ذلك ، ويقول : إنه ذهب باختياره ، وإن نفيه ليس له إسناد .

                  وهذا إنما يكون بعد فتح مكة ، فقد كان أبوه بمكة مع سائر الطلقاء ، وكان هو قد قارب سن التمييز .

                  وأيضا فقد يكون أبوه حج مع الناس ، فرآه في حجة الوداع ، ولعله قدم إلى المدينة . فلا يمكن الجزم بنفي رؤيته للنبي - صلى الله عليه وسلم - .

                  وأما أقرانه ، كالمسور بن مخرمة ، وعبد الله بن الزبير ، فهؤلاء كانوا بالمدينة . وقد ثبت أنهم سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية