وأما قوله : " وقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عمار جلدة بين عيني ، تقتله الفئة الباغية ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة " .
[ ص: 259 ] فيقال : الذي في الصحيح : " تقتل عمارا الفئة الباغية " [1] . وطائفة من العلماء ضعفوا هذا الحديث ، منهم الحسين الكرابيسي وغيره ، ونقل ذلك عن أحمد أيضا .
وأما قوله : " لا أنالهم الله شفاعتي " فكذب مزيد في الحديث ، لم يروه أحد من أهل العلم بإسناد معروف [2] .
وكذلك قوله : " عمار جلدة بين عيني " لا يعرف له إسناد [3] .
ولو قيل مثل ذلك ، فقد ثبت عنه في الصحيح ( * أنه قال : " إنما فاطمة بضعة مني ، يريبني ما يريبها " [4] . وفي الصحيح عنه * ) [5] أنه قال : " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " [6] . و [ ثبت ] عنه في الصحيح [7] أنه كان يحب أسامة ، ثم يقول [8] : " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " [9] . ومع هذا لما قتل ذلك الرجل أنكر عليه إنكارا شديدا ، وقال : [ ص: 260 ] " يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ [ أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ] [10] ؟ " قال : " فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ " [11] .
[ وثبت ] عنه في الصحيح [12] أنه قال : " يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا " الحديث [13] .
وثبت عنه في عبد الله حمار ، أنه كان يضربه [14] على شرب الخمر مرة بعد مرة ، وأخبر عنه [15] أنه يحب الله ورسوله [16] .
[ ص: 261 ] وقال في خالد : " سيف [17] من سيوف الله " [18] ولما فعل في بني جذيمة ما فعل ، قال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " [19] .
وثبت عنه أنه قال لعلي : " أنت مني وأنا منك " [20] . ولما خطب بنت أبي جهل قال : " إن بني المغيرة استأذنوني في أن يزوجوا ابنتهم [21] عليا ، وإني لا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم . والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد " [22] .
وفي حديث آخر أنه رأى أبا بكر يضرب عبده وهو محرم ، فقال : " انظروا ما يفعل المحرم " [23] ومثل هذا كثير .
[ ص: 262 ] فكون الرجل محبوبا لله ورسوله ، لا يمنع أن يؤدب بأمر الله ورسوله ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ، ولا هم ولا حزن ، ولا غم ولا أذى ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها [ من ] [24] خطاياه " . أخرجاه في الصحيحين [25] .
ولما نزل قوله - تعالى - : ( من يعمل سوءا يجز به ) [ سورة النساء : 123 ] . قال أبو بكر : يا رسول الله قد جاءت قاصمة الظهر . فقال : " ألست تحزن ؟ ألست تنصب ؟ ألست تصيبك اللأواء ؟ فهو مما تجزون به ؟ رواه أحمد وغيره [26] .
وفي الحديث : " الحدود كفارات لأهلها " . [27] .
[ ص: 263 ] وفي الصحيحين عن عبادة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تزنوا ولا تسرقوا ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني [28] في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب [ من ذلك ] [29] شيئا فستره الله عليه ، فأمره إلى الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له " [30] .
فإذا كانت المصائب السماوية [31] التي تجري بغير فعل بشر [32] مما يكفر الله بها الخطايا ، فما يجري من أذى الخلق والمظالم [33] بطريق الأولى ، كما يصيب المجاهدين من أذى الكفار ، وكما يصيب الأنبياء من أذى من يكذبهم ، وكما يصيب المظلوم من أذى الظالم .
[ ص: 264 ] وإذا كان هذا مما يقع معصية لله ورسوله ، فما يفعله ولي الأمر من إقامة حد وتعزير يكون تكفير الخطايا به أولى .
وكانوا في زمن عمر إذا شرب أحدهم الخمر جاء بنفسه إلى الأمير وقال : " طهرني " .
وقد جاء ماعز بن مالك والغامدية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلبا منه التطهير .
وإذا كان كذلك ، فكون الرجل وليا لله لا يمنع أن يحتاج إلى ما يكفر الله به سيئاته ، من تأديب ولي الأمر الذي أمره الله عليه ، وغير ذلك .
وإذا قيل : هم مجتهدون معذورون فيما أدبهم عليه عثمان ، فعثمان أولى أن يقال فيه : كان مجتهدا معذورا فيما أدبهم عليه ، فإنه إمام مأمور بتقويم رعيته . وكان عثمان أبعد عن الهوى ، وأولى بالعلم والعدل فيما أدبهم عليه - رضي الله عنهم أجمعين - .
ولو قدح رجل في علي بن أبي طالب بأنه قاتل معاوية وأصحابه [ وقاتل ] طلحة [34] والزبير .
لقيل له : علي بن أبي طالب أفضل وأولى بالعلم والعدل من الذين قاتلوه ، فلا يجوز أن يجعل الذين قاتلوه هم العادلين [35] وهو ظالم لهم .
كذلك عثمان فيمن أقام عليه حدا أو تعزيرا هو أولى بالعلم والعدل منهم . وإذا وجب الذب عن علي لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك ، فالذب عن عثمان لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك أولى .


