الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " وقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عمار جلدة بين عيني ، تقتله الفئة الباغية ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة " .

                  [ ص: 259 ] فيقال : الذي في الصحيح : " تقتل عمارا الفئة الباغية " [1] . وطائفة من العلماء ضعفوا هذا الحديث ، منهم الحسين الكرابيسي وغيره ، ونقل ذلك عن أحمد أيضا .

                  وأما قوله : " لا أنالهم الله شفاعتي " فكذب مزيد في الحديث ، لم يروه أحد من أهل العلم بإسناد معروف [2] .

                  وكذلك قوله : " عمار جلدة بين عيني " لا يعرف له إسناد [3] .

                  ولو قيل مثل ذلك ، فقد ثبت عنه في الصحيح ( * أنه قال : " إنما فاطمة بضعة مني ، يريبني ما يريبها " [4] . وفي الصحيح عنه * ) [5] أنه قال : " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " [6] . و [ ثبت ] عنه في الصحيح [7] أنه كان يحب أسامة ، ثم يقول [8] : " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه " [9] . ومع هذا لما قتل ذلك الرجل أنكر عليه إنكارا شديدا ، وقال : [ ص: 260 ] " يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ [ أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ] [10] ؟ " قال : " فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ " [11] .

                  [ وثبت ] عنه في الصحيح [12] أنه قال : " يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا " الحديث [13] .

                  وثبت عنه في عبد الله حمار ، أنه كان يضربه [14] على شرب الخمر مرة بعد مرة ، وأخبر عنه [15] أنه يحب الله ورسوله [16] .

                  [ ص: 261 ] وقال في خالد : " سيف [17] من سيوف الله " [18] ولما فعل في بني جذيمة ما فعل ، قال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " [19] .

                  وثبت عنه أنه قال لعلي : " أنت مني وأنا منك " [20] . ولما خطب بنت أبي جهل قال : " إن بني المغيرة استأذنوني في أن يزوجوا ابنتهم [21] عليا ، وإني لا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم . والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد " [22] .

                  وفي حديث آخر أنه رأى أبا بكر يضرب عبده وهو محرم ، فقال : " انظروا ما يفعل المحرم " [23] ومثل هذا كثير .

                  [ ص: 262 ] فكون الرجل محبوبا لله ورسوله ، لا يمنع أن يؤدب بأمر الله ورسوله ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ، ولا هم ولا حزن ، ولا غم ولا أذى ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها [ من ] [24] خطاياه " . أخرجاه في الصحيحين [25] .

                  ولما نزل قوله - تعالى - : ( من يعمل سوءا يجز به ) [ سورة النساء : 123 ] . قال أبو بكر : يا رسول الله قد جاءت قاصمة الظهر . فقال : " ألست تحزن ؟ ألست تنصب ؟ ألست تصيبك اللأواء ؟ فهو مما تجزون به ؟ رواه أحمد وغيره [26] .

                  وفي الحديث : " الحدود كفارات لأهلها " . [27] .

                  [ ص: 263 ] وفي الصحيحين عن عبادة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تزنوا ولا تسرقوا ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني [28] في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب [ من ذلك ] [29] شيئا فستره الله عليه ، فأمره إلى الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له " [30] .

                  فإذا كانت المصائب السماوية [31] التي تجري بغير فعل بشر [32] مما يكفر الله بها الخطايا ، فما يجري من أذى الخلق والمظالم [33] بطريق الأولى ، كما يصيب المجاهدين من أذى الكفار ، وكما يصيب الأنبياء من أذى من يكذبهم ، وكما يصيب المظلوم من أذى الظالم .

                  [ ص: 264 ] وإذا كان هذا مما يقع معصية لله ورسوله ، فما يفعله ولي الأمر من إقامة حد وتعزير يكون تكفير الخطايا به أولى .

                  وكانوا في زمن عمر إذا شرب أحدهم الخمر جاء بنفسه إلى الأمير وقال : " طهرني " .

                  وقد جاء ماعز بن مالك والغامدية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلبا منه التطهير .

                  وإذا كان كذلك ، فكون الرجل وليا لله لا يمنع أن يحتاج إلى ما يكفر الله به سيئاته ، من تأديب ولي الأمر الذي أمره الله عليه ، وغير ذلك .

                  وإذا قيل : هم مجتهدون معذورون فيما أدبهم عليه عثمان ، فعثمان أولى أن يقال فيه : كان مجتهدا معذورا فيما أدبهم عليه ، فإنه إمام مأمور بتقويم رعيته . وكان عثمان أبعد عن الهوى ، وأولى بالعلم والعدل فيما أدبهم عليه - رضي الله عنهم أجمعين - .

                  ولو قدح رجل في علي بن أبي طالب بأنه قاتل معاوية وأصحابه [ وقاتل ] طلحة [34] والزبير .

                  لقيل له : علي بن أبي طالب أفضل وأولى بالعلم والعدل من الذين قاتلوه ، فلا يجوز أن يجعل الذين قاتلوه هم العادلين [35] وهو ظالم لهم .

                  كذلك عثمان فيمن أقام عليه حدا أو تعزيرا هو أولى بالعلم والعدل منهم . وإذا وجب الذب عن علي لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك ، فالذب عن عثمان لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك أولى .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية