الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل [1] . وعابوا أفعاله ، وقالوا له : غبت عن بدر ، وهربت يوم أحد ، ولم تشهد بيعة الرضوان . والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى " .

                  فالجواب [2] : أما قوله " وخالفه المسلمون [ كلهم ] حتى قتل " [3] .

                  فإن أراد أنهم خالفوه خلافا يبيح قتله ، أو أنهم [ كلهم ] أمروا بقتله ، ورضوا بقتله ، وأعانوا على قتله [4] . فهذا مما يعلم كل أحد أنه من أظهر الكذب ، فإنه لم يقتله إلا طائفة قليلة باغية ظالمة .

                  قال ابن الزبير : " لعنت قتلة عثمان ، خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية ، فقتلهم الله كل قتلة ، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب " يعني هربوا ليلا ، وأكثر المسلمين كانوا غائبين ، وأكثر أهل المدينة الحاضرين لم يكونوا يعلمون أنهم يريدون قتله حتى قتلوه .

                  وإن أراد أن كل المسلمين خالفوه في كل ما فعله ، أو في كل ما أنكر عليه ، فهذا [ أيضا ] [5] كذب . فما من شيء أنكر عليه إلا وقد وافقه عليه [ ص: 297 ] كثير من المسلمين ، بل من علمائهم الذين لا يتهمون بمداهنة ، والذين وافقوا عثمان [6] على ما أنكر عليه أكثر وأفضل عند المسلمين من الذين وافقوا عليا على ما أنكر عليه : إما في كل الأمور ، وإما في غالبها . وبعض المسلمين أنكر عليه بعض الأمور ، وكثير من ذلك يكون الصواب فيه مع عثمان ، وبعضه يكون فيه مجتهدا ، ومنه ما يكون المخالف له مجتهدا : إما مصيبا وإما مخطئا .

                  وأما الساعون في قتله فكلهم مخطئون ، بل ظالمون باغون معتدون . وإن قدر أن فيهم من قد يغفر الله له ، فهذا لا يمنع كون عثمان قتل مظلوما .

                  والذي قال [7] له : غبت عن بدر وبيعة الرضوان ، وهربت يوم أحد ، قليل جدا من المسلمين . ولم يعين منهم [8] إلا اثنان أو ثلاثة أو نحو ذلك . وقد أجابهم عثمان وابن عمر وغيرهما عن هذا السؤال ، وقالوا : يوم بدر غاب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخلفه عن ابنة النبي [9] - صلى الله عليه وسلم - فضرب له النبي - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره .

                  ويوم الحديبية بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عثمان بيده . ويد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير له من يده لنفسه [10] ، وكانت البيعة [ ص: 298 ] بسببه ، فإنه لما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - [ رسولا ] إلى [ أهل ] مكة [11] بلغه أنهم قتلوه ، فبايع أصحابه على أن لا يفروا وعلى الموت ، فكان عثمان شريكا في البيعة ، مختصا بإرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - له ، وطلبت منه قريش أن يطوف بالبيت دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فامتنع من ذلك ، وقال : حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يرسل [12] عمر ، فأخبره أنه ليس [ له ] [13] بمكة شوكة يحمونه ، وأن عثمان له بمكة بنو أمية ، وهم من أشراف مكة ، فهم يحمونه .

                  وأما التولي يوم أحد ، فقد قال الله - تعالى - : ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ) [ سورة آل عمران : 155 ] فقد عفا الله عن جميع المتولين [14] يوم أحد ، فدخل في العفو من هو دون عثمان ، فكيف لا يدخل هو فيه مع فضله وكثرة حسناته [ ص: 299 ] [15]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية