الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " إن الشهرستاني من أشد المتعصبين على الإمامية " .

                  فليس كذلك ، بل يميل كثيرا إلى أشياء من أمورهم ، بل يذكر أحيانا أشياء [1] من كلام الإسماعيلية الباطنية منهم ويوجهه [2] . ولهذا اتهمه بعض الناس [ بأنه ] [3] من الإسماعيلية ، وإن لم يكن الأمر كذلك ، وقد ذكر من اتهمه شواهد من كلامه وسيرته . وقد يقال : هو مع الشيعة بوجه ، ومع أصحاب الأشعري بوجه .

                  [ ص: 306 ] وقد وقع في هذا كثير من أهل الكلام والوعاظ ، وكانوا يدعون بالأدعية المأثورة في صحيفة علي بن الحسين ، وإن كان أكثرها كذبا على علي بن الحسين .

                  وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة ، إما بباطنه وإما مداهنة لهم ، فإن هذا الكتاب - كتاب " الملل والنحل " صنفه لرئيس من رؤسائهم ، وكانت له ولاية ديوانيه . وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له . وكذلك [4] صنف له كتاب " المصارعة " بينه وبين ابن سينا [5] ، لميله إلى التشيع والفلسفة . وأحسن أحواله أن يكون من الشيعة ، إن لم يكن من الإسماعيلية ، أعني المصنف له . ولهذا تحامل فيه للشيعة [6] تحاملا بينا .

                  [ ص: 307 ] وإذا كان في غير ذلك من كتبه يبطل مذهب الإمامية ، فهذا يدل على المداهنة لهم في هذا الكتاب لأجل من صنفه له .

                  وأيضا فهذه الشبهة التي حكاها الشهرستاني في أول كتاب " الملل والنحل " عن إبليس في مناظرته للملائكة لا تعلم إلا بالنقل ، وهو لم يذكر لها إسنادا ، بل لا إسناد لها أصلا . فإن هذه لم تنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة ولا عن أئمة المسلمين المشهورين ، ولا هي أيضا مما هو معلوم عند أهل الكتاب [7] .

                  وهذه لا تعلم إلا بالنقل عن الأنبياء ، وإنما توجد في شيء من كتب المقالات وبعض كتب النصارى .

                  والشهرستاني أكثر ما ينقله من المقالات من كتب المعتزلة ، وهم يكذبون بالقدر . فيشبه - والله أعلم - أن يكون بعض المكذبين بالقدر وضع هذه الحكاية ليجعلها حجة على المثبتين للقدر ، كما يضعون شعرا على لسان يهودي وغير ذلك ، فإنا رأينا كثيرا من القدرية يضعون على لسان الكفار ما فيه حجة على الله ، ومقصودهم بذلك التكذيب بالقدر ، [ ص: 308 ] وأن من صدق به فقد جعل للخلق حجة على الخالق ، كما وجدنا كثيرا من الشيعة يضع حججا لهم على لسان بعض اليهود ، ليقال لأهل السنة : أجيبوا هذا اليهودي ، ويخاطب بذلك من لا يحسن أن يبين فساد تلك الحجة من جهال العامة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية