الوجه الحادي عشر [1] : أن يقال : . قوله : " لو لم يكن الإمام معصوما لافتقر إلى إمام آخر ; لأن العلة المحوجة إلى الإمام هي جواز الخطأ على الأمة ، فلو جاز الخطأ عليه لاحتاج إلى إمام آخر "
فيقال له : لم لا يجوز أن يكون إذا أخطأ الإمام كان في الأمة من ينبهه على الخطأ ، بحيث لا يحصل اتفاق المجموع على الخطأ ، لكن إذا أخطأ بعض الأمة ، نبهه الإمام أو نائبه أو غيره ، وإن أخطأ الإمام أو نائبه نبهه آخر كذلك ، وتكون العصمة ثابتة للمجموع ، لا لكل واحد من الأفراد ، كما يقوله أهل الجماعة ؟
وهذا كما أن كل واحد من أهل خبر التواتر يجوز عليه الخطأ ، وربما جاز عليه تعمد الكذب [2] ، لكن المجموع لا يجوز عليهم ذلك في العادة . ( * وكذلك الناظرون إلى الهلال أو غيره من الأشياء الدقيقة ، قد يجوز الغلط على الواحد منهم ، ولا يجوز على العدد الكثير * ) [3] . وكذلك الناظرون في الحساب والهندسة ، ويجوز على الواحد منهم الغلط في مسألة أو مسألتين ، فأما إذا كثر أهل المعرفة بذلك امتنع في العادة غلطهم .
[ ص: 409 ] ومن المعلوم أن ثبوت العصمة لقوم اتفقت كلمتهم ، أقرب إلى العقل والوجود من ثبوتها لواحد . فإن كانت العصمة لا تمكن للعدد الكثير ، في حال اجتماعهم على الشيء المعين ، فأن لا تمكن للواحد أولى وإن أمكنت للواحد مفردا ; فلأن تمكن له ولأمثاله مجتمعين بطريق الأولى والأحرى .
فعلم أن إثبات العصمة للمجموع أولى من إثباتها للواحد ، وبهذه العصمة [4] يحصل [5] المقصود المطلوب من عصمة الإمام ، فلا تتعين عصمة الإمام .
ومن جهل الرافضة إنهم يوجبون عصمة واحد من المسلمين ، ويجوزون على مجموع المسلمين الخطأ إذا لم يكن فيهم واحد معصوم . والمعقول الصريح يشهد أن العلماء الكثيرين ، مع اختلاف اجتهاداتهم ، إذا اتفقوا على قول كان أولى بالصواب من واحد ، وأنه إذا أمكن حصول العلم بخبر واحد ، فحصوله بالأخبار المتواترة أولى .
ومما يبين ذلك أن الإمام شريك الناس في المصالح العامة ، إذ كان [6] هو وحده لا يقدر أن يفعلها ، إلا أن يشترك هو وهم فيها ، فلا يمكنه أن يقيم الحدود ، ويستوفي الحقوق ، ولا يوفيها [7] ، ولا يجاهد عدوا إلا أن يعينوه ، بل لا يمكنه أن يصلي بهم جمعة ولا جماعة إن لم يصلوا معه ، ولا يمكن أن يفعلوا ما يأمرهم به إلا بقواهم وإرادتهم . فإذا كانوا مشاركين [ ص: 410 ] له في الفعل والقدرة ، لا ينفرد عنهم بذلك ، فكذلك [8] العلم والرأي لا يجب أن [ ينفرد به بل ] يشاركهم فيه [9] ، فيعاونهم ويعاونونه ، وكما أن قدرته تعجز إلا بمعاونتهم [10] ، فكذلك علمه يعجز إلا بمعاونتهم .