الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 430 ] وأما المقدمة الثانية [1] : فلو قدر أنه لا بد من معصوم ، فقولهم ليس بمعصوم غير علي اتفاقا ممنوع ، بل كثير من الناس من عبادهم وصوفيتهم وجندهم [2] وعامتهم يعتقدون في كثير من شيوخهم من العصمة ، من جنس ما تعتقده الرافضة في الاثني عشر ، وربما عبروا هو ذلك بقولهم : " الشيخ محفوظ " .

                  وإذا كانوا يعتقدون هذا في شيوخهم ، مع اعتقادهم أن الصحابة أفضل منهم ، فاعتقادهم ذلك في الخلفاء من الصحابة أولى .

                  وكثير [3] من الناس فيهم من الغلو في شيوخهم من جنس ما في الشيعة من الغلو في الأئمة .

                  وأيضا فالإسماعيلية يعتقدون عصمة أئمتهم ، وهم غير الاثني عشر .

                  وأيضا فكثير من أتباع بني أمية - أو أكثرهم - كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه ولا عذاب ، وأن الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام ، بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء ، والله أمرهم بذلك . وكلامهم في ذلك معروف كثير .

                  وقد أراد يزيد بن عبد الملك أن يسير بسيرة عمر بن عبد العزيز ، فجاء إليه جماعة من شيوخهم ، فحلفوا له بالله الذي لا إله إلا هو ، أنه إذا ولى الله على الناس إماما تقبل الله منه [4] الحسنات وتجاوز عنه السيئات [5] .

                  [ ص: 431 ] ولهذا تجد في كلام كثير من كبارهم الأمر بطاعة ولي الأمر مطلقا ، وأن من أطاعه فقد أطاع الله . ولهذا كان يضرب بهم المثل ، يقال : " طاعة شامية " .

                  وحينئذ فهؤلاء يقولون : إن إمامهم لا يأمرهم إلا بما أمرهم الله به ، وليس فيهم شيعة ، بل كثير منهم يبغض عليا ويسبه .

                  ومن كان اعتقاده أن كل ما يأمر [6] الإمام به فإنه مما أمر الله به ، وأنه تجب طاعته ، وأن الله يثيبه على ذلك ، ويعاقبه على تركه - لم يحتج مع ذلك إلى معصوم غير إمامه .

                  وحينئذ فالجواب من وجهين أحدهما : أن يقال : كل من هذه الطوائف إذا قيل [ لها ] [7] : إنه لا بد لها [8] من إمام معصوم . تقول : يكفيني عصمة الإمام الذي ائتممت به ، لا أحتاج إلى عصمة الاثني عشر : لا عليا ولا غيره . ويقول هذا : شيخي وقدوتي . وهذا يقول : إمامي الأموي والإسماعيلي . بل كثير من الناس يعتقدون أن من يطيع الملوك لا ذنب له في ذلك ، كائنا من كان ، ويتأولون قوله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [ سورة النساء : 5 ] .

                  فإن قيل : هؤلاء لا يعتد بخلافهم [9] .

                  قيل : هؤلاء خير من الرافضة الإسماعيلية .

                  [ ص: 432 ] وأيضا فإن أئمة هؤلاء وشيوخهم خير من معدوم [10] لا ينتفع به بحال . فهم بكل حال خير من الرافضة .

                  وأيضا [11] فبطلت حجة الرافضة بقولهم : لم تدع العصمة إلا في علي وأهل بيته .

                  فإن قيل : لم يكن في الصحابة من يدعي العصمة ( * لأبي بكر وعمر وعثمان .

                  قيل : إن لم يكن فيهم من يدعي العصمة لعلي بطل قولكم . وإن كان فيهم من يدعي العصمة * ) [12] لعلي ، لم يمتنع أن يكون فيهم من يدعي العصمة للثلاثة ، بل دعوى العصمة لهؤلاء أولى ، فإنا نعلم يقينا أن جمهور الصحابة كانوا يفضلون أبا بكر وعمر ، بل على نفسه كان يفضلهما عليه . كما تواتر عنه وحينئذ فدعواهم عصمة هذين أولى من دعوى عصمة علي .

                  فإن قيل : فهذا لم ينقل عنهم .

                  قيل لهم : ولا نقل عن واحد منهم القول بعصمة علي . ونحن لا نثبت [ عصمة ] [13] لا هذا ولا هذا ، لكن نقول : ما يمكن أحدا أن ينفي نقل أحد منهم بعصمة أحد الثلاثة ، مع دعواهم أنهم كانوا يقولون بعصمة علي . فهذا الفرق لا يمكن أحدا أن يدعيه ، ولا ينقله عن واحد منهم . وحينئذ فلا يعلم زمان ادعى فيه العصمة لعلي أو لأحد [14] من الاثني عشر ، [ ص: 433 ] ولم يكن من ذلك الزمان من يدعي عصمة غيرهم ، فبطل أن يحتج بانتفاء عصمة الثلاثة ووقوع النزاع في عصمة علي .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية