[ ص: 430 ] وأما المقدمة الثانية [1] : فلو قدر أنه لا بد من معصوم ، فقولهم علي اتفاقا ممنوع ، بل كثير من الناس من عبادهم وصوفيتهم وجندهم ليس بمعصوم غير [2] وعامتهم يعتقدون في كثير من شيوخهم من العصمة ، من جنس ما تعتقده الرافضة في الاثني عشر ، وربما عبروا هو ذلك بقولهم : " الشيخ محفوظ " .
وإذا كانوا يعتقدون هذا في شيوخهم ، مع اعتقادهم أن الصحابة أفضل منهم ، فاعتقادهم ذلك في الخلفاء من الصحابة أولى .
وكثير [3] من الناس فيهم من الغلو في شيوخهم من جنس ما في الشيعة من الغلو في الأئمة .
وأيضا فالإسماعيلية يعتقدون عصمة أئمتهم ، وهم غير الاثني عشر .
وأيضا فكثير من أتباع بني أمية - أو أكثرهم - كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه ولا عذاب ، وأن الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام ، بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء ، والله أمرهم بذلك . وكلامهم في ذلك معروف كثير .
وقد أراد أن يسير بسيرة يزيد بن عبد الملك ، فجاء إليه جماعة من شيوخهم ، فحلفوا له بالله الذي لا إله إلا هو ، أنه إذا ولى الله على الناس إماما تقبل الله منه عمر بن عبد العزيز [4] الحسنات وتجاوز عنه السيئات [5] .
[ ص: 431 ] ولهذا تجد في كلام كثير من كبارهم ، وأن من أطاعه فقد أطاع الله . ولهذا كان يضرب بهم المثل ، يقال : " طاعة شامية " . الأمر بطاعة ولي الأمر مطلقا
وحينئذ فهؤلاء يقولون : إن إمامهم لا يأمرهم إلا بما أمرهم الله به ، وليس فيهم شيعة ، بل كثير منهم يبغض ويسبه . عليا
ومن كان اعتقاده أن كل ما يأمر [6] الإمام به فإنه مما أمر الله به ، وأنه تجب طاعته ، وأن الله يثيبه على ذلك ، ويعاقبه على تركه - لم يحتج مع ذلك إلى معصوم غير إمامه .
وحينئذ فالجواب من وجهين أحدهما : أن يقال : كل من هذه الطوائف إذا قيل [ لها ] [7] : إنه لا بد لها [8] من إمام معصوم . تقول : يكفيني عصمة الإمام الذي ائتممت به ، لا أحتاج إلى عصمة الاثني عشر : لا عليا ولا غيره . ويقول هذا : شيخي وقدوتي . وهذا يقول : إمامي الأموي والإسماعيلي . بل كثير من الناس يعتقدون أن من يطيع الملوك لا ذنب له في ذلك ، كائنا من كان ، ويتأولون قوله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [ سورة النساء : 5 ] .
فإن قيل : هؤلاء لا يعتد بخلافهم [9] .
قيل : هؤلاء خير من الرافضة الإسماعيلية .
[ ص: 432 ] وأيضا فإن أئمة هؤلاء وشيوخهم خير من معدوم [10] لا ينتفع به بحال . فهم بكل حال خير من الرافضة .
وأيضا [11] فبطلت حجة الرافضة بقولهم : لم تدع العصمة إلا في وأهل بيته . علي
فإن قيل : لأبي بكر وعمر . وعثمان لم يكن في الصحابة من يدعي العصمة ( *
قيل : إن لم يكن فيهم من يدعي العصمة بطل قولكم . وإن كان فيهم من يدعي العصمة * ) لعلي [12] ، لم يمتنع أن يكون فيهم من يدعي العصمة للثلاثة ، بل دعوى العصمة لهؤلاء أولى ، فإنا نعلم يقينا أن جمهور الصحابة كانوا يفضلون لعلي أبا بكر ، بل على نفسه كان يفضلهما عليه . كما تواتر عنه وحينئذ فدعواهم عصمة هذين أولى من دعوى عصمة وعمر . علي
فإن قيل : فهذا لم ينقل عنهم .
قيل لهم : ولا نقل عن واحد منهم القول بعصمة . ونحن لا نثبت [ عصمة ] علي [13] لا هذا ولا هذا ، لكن نقول : ما يمكن أحدا أن ينفي نقل أحد منهم بعصمة أحد الثلاثة ، مع دعواهم أنهم كانوا يقولون بعصمة . فهذا الفرق لا يمكن أحدا أن يدعيه ، ولا ينقله عن واحد منهم . وحينئذ فلا يعلم زمان ادعى فيه العصمة علي أو لأحد لعلي [14] من الاثني عشر ، [ ص: 433 ] ولم يكن من ذلك الزمان من يدعي عصمة غيرهم ، فبطل أن يحتج بانتفاء عصمة الثلاثة ووقوع النزاع في عصمة . علي