الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وجواب سابع : وهو أن يقال : أنتم أوجبتم النص ، لئلا يفضي إلى التشاجر ، المفضي إلى أعظم أنواع الفساد التي [1] لأجل إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه .

                  فيقال : الأمر بالعكس ، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - تولى بدون هذا الفساد
                  . وعمر وعثمان توليا بدون هذا الفساد . ( * فإنما عظم هذا الفساد في الإمام الذي ادعيتم أنه منصوص عليه دون غيره ، فوقع في ولايته من أنواع التشاجر والفساد * ) [2] [ التي ] لأجل [3] إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه ، فكان ما جعلتموه وسيلة إنما حصل معه نقيض المقصود ، [ وحصل المقصود ] [4] بدون وسيلتكم ، فبطل كون ما ذكرتموه وسيلة إلى المقصود .

                  [ ص: 449 ] وهذا لأنهم أوجبوا على الله ما لا يجب عليه ، وأخبروا بما لم يكن ، فلزم من كذبهم وجهلهم هذا التناقض .

                  وجواب ثامن : وهو أن يقال : النص [5] الذي يزيل هذا [6] الفساد يكون على وجوه : أحدها : أن يخبر النبي [ - صلى الله عليه وسلم - ] [7] بولاية الشخص ويثني عليه في ولايته ، فحينئذ تعلم الأمة أن هذا إن [8] تولى كان محمودا مرضيا ، فيرتفع النزاع ، وإن لم يقل : ولوه .

                  وهذا النص وقع لأبي بكر وعمر .

                  الثاني : أن يخبر بأمور تستلزم صلاح الولاة ، وهذه النصوص وقعت في خلافة أبي بكر وعمر .

                  الثالث : أن [9] يأمر من يأتيه أن يأتي بعد موته شخصا يقوم مقامه ، فيدل على أنه خليفة من بعده . وهذا وقع لأبي بكر [10] .

                  الرابع : أن يريد كتابة كتاب ، ثم يقول : إن الله والمؤمنين لا يولون إلا فلانا ، وهذا وقع لأبي بكر .

                  الخامس : أن يأمر بالاقتداء بعده بشخص ، فيكون هو الخليفة بعده .

                  السادس : أن يأمر باتباع سنة خلفائه الراشدين المهديين ، ويجعل [ ص: 450 ] خلافتهم إلى مدة معينة ، فيدل على أن المتولين في تلك المدة هم الخلفاء الراشدون .

                  السابع : أن يخص بعض الأشخاص بأمر يقتضي أنه هو المقدم عنده في الاستخلاف ، وهذا موجود لأبي بكر .

                  وهنا جواب تاسع [11] : وهو أن يقال : ترك النص على معين أولى بالرسول ، فإنه إن كان [12] النص ليكون معصوما ، فلا معصوم [13] بعد الرسول . وإن كان بدون العصمة [14] فقد يحتج بالنص على وجوب اتباعه في كل ما يقول ، ولا يمكن أحد [15] بعد موت الرسول أن يراجع الرسول في أمره ليرده أو يعزله [16] ، فكان أن لا ينص [17] على معين أولى من النص . وهذا بخلاف من يوليه في حياته ، فإنه إذا [18] أخطأ أو أذنب أمكن الرسول بيان خطئه ورد ذنبه ، وبعد موته لا يمكنه ذلك ولا يمكن الأمة عزله لتولية [19] الرسول إياه ، فكان [20] عدم النص على معين - مع علم المسلمين بدينهم - أصلح للأمة ، وكذلك وقع .

                  وأيضا لو نص على معين ليؤخذ الدين منه [21] ، كما تقوله الرافضة ، [ ص: 451 ] بطلت حجة الله ، فإن ذلك لا يقوم به شخص واحد غير الرسول ، إذ لا معصوم إلا هو .

                  ومن تدبر هذه الأمور وغيرها علم أن ما اختاره الله لمحمد [ - صلى الله عليه وسلم - ] [22] وأمته أكمل الأمور .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية