فصل
قال الرافضي [1] : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) [ سورة المائدة : 3 ] روى أبو نعيم بإسناده إلى " البرهان الثالث : قوله تعالى : ( - رضي الله عنه أبي سعيد الخدري [2] - غدير خم [3] ، وأمر بإزالة ما تحت الشجر من الشوك [4] ، فقام [5] فدعا [ ص: 52 ] ، فأخذ عليا [6] بضبعيه فرفعهما ، حتى نظر الناس إلى [ بياض ] [7] إبطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) [ سورة المائدة : 3 ] . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الرب برسالتي ، وبالولاية من بعدي . ثم قال : من كنت مولاه لعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله فعلي " . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الناس إلى
والجواب من وجوه : أحدها : أن المستدل عليه بيان صحة الحديث .
ومجرد عزوه إلى رواية أبي نعيم لا تفيد الصحة باتفاق الناس : علماء السنة والشيعة ; فإن أبا نعيم روى كثيرا من الأحاديث التي هي ضعيفة ، بل موضوعة باتفاق علماء أهل الحديث : السنة والشيعة . وهو وإن كان حافظا [8] كثير الحديث واسع الرواية ، لكن روى ، كما عادة المحدثين أمثاله يروون جميع ما في الباب ; لأجل المعرفة بذلك ، وإن كان لا يحتج من ذلك إلا ببعضه . والناس في مصنفاتهم : منهم من لا يروي عمن يعلم أنه يكذب ، مثل ، مالك ، وشعبة ويحيى بن سعيد ، ، وعبد الرحمن بن مهدي ; فإن هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم ، [ ص: 53 ] ولا يروون حديثا يعلمون أنه عن كذاب ، فلا يروون أحاديث الكذابين الذين يعرفون بتعمد الكذب ، لكن قد يتفق فيما يروونه ما يكون صاحبه أخطأ فيه . وأحمد بن حنبل
وقد يروي الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم ; لاتهام رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك ، ليعتبر بها ويستشهد بها ، فإنه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له أنه محفوظ ، وقد يكون له ما يشهد بأنه خطأ وقد يكون صاحبها كذبها [9] في الباطن ، ليس مشهورا بالكذب ، بل يروي كثيرا من الصدق ، فيروى حديثه .
وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذبا ، بل يجب التبين [10] من خبره كما قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ) [ سورة الحجرات : 6 ] فيروى لتنظر سائر الشواهد : هل تدل على الصدق أو الكذب ؟ .
وكثير من المصنفين يعز عليه تمييز ذلك على وجهه ، بل يعجز عن ذلك ، فيروي ما سمعه كما سمعه ، والدرك على غيره لا عليه ، وأهل العلم ينظرون في ذلك وفي رجاله وإسناده .
الوجه الثاني : أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات . وهذا يعرفه أهل العلم [11] بالحديث ، والمرجع إليهم في ذلك . ولذلك [12] لا يوجد هذا في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها أهل العلم بالحديث .
[ ص: 54 ] الوجه الثالث : أنه قد ثبت في الصحاح والمساند [13] والتفسير أن هذه الآية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة ، اليهود : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها ; لو علينا معشر لعمر بن الخطاب اليهود نزلت لاتخذنا ذلك [ اليوم ] [14] عيدا . فقال له : وأي آية هي ؟ قال : قوله : ( عمر اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) [ سورة المائدة : 3 ] فقال : إني لأعلم أي يوم نزلت ، وفي أي مكان نزلت . نزلت عمر [15] يوم عرفة بعرفة [16] ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف بعرفة . وهذا مستفيض من زيادة وجوه أخر وقال رجل من [17] . وهو منقول في كتب المسلمين : الصحاح والمساند والجوامع والسير والتفسير [18] وغير ذلك [19] .
وهذا اليوم كان قبل غدير خم بتسعة أيام ، فإنه كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة ، فكيف يقال : إنها نزلت يوم الغدير ؟ ! .
الوجه الرابع : أن هذه الآية ليس فيها دلالة على ولا إمامته بوجه [ ص: 55 ] من الوجوه ، بل فيها إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة على المؤمنين ، ورضا الإسلام دينا . فدعوى المدعي أن القرآن يدل على إمامته من هذا الوجه كذب ظاهر . علي
وإن قال : الحديث يدل على ذلك .
فيقال : الحديث إن كان صحيحا ، فتكون الحجة من الحديث لا من الآية . وإن لم يكن صحيحا فلا حجة في هذا ولا في هذا .
فعلى التقديرين لا دلالة في الآية على ذلك . وهذا مما يبين به [20] كذب الحديث ، فإن نزول الآية لهذا السبب ، وليس فيها ما يدل عليه أصلا ، تناقض .
الوجه الخامس : أن هذا اللفظ ، وهو " كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله . قوله : "
وأما قوله : " مولاه فعلي " فلهم فيه قولان ، وسنذكره - إن شاء الله - في موضعه . من كنت مولاه
الوجه السادس : أن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - مجاب ، وهذا الدعاء ليس بمجاب ، فعلم أنه ليس من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه من المعلوم أنه لما تولى كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف : صنف قاتلوا معه ، وصنف قاتلوه ، وصنف قعدوا عن هذا وهذا . وأكثر السابقين الأولين كانوا من القعود . وقد قيل : إن بعض السابقين الأولين قاتلوه . وذكر أن ابن حزم قتله عمار بن ياسر أبو الغادية [21] ، وأن أبا الغادية [ ص: 56 ] هذا من السابقين ، ممن بايع تحت الشجرة . وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين أنه لا يدخل النار منهم أحد .
ففي صحيح وغيره عن مسلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " جابر لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة " [22] .
وفي الصحيح قال : يا رسول الله ، ليدخلن حاطب النار . فقال : " كذبت ; إنه شهد حاطب بن أبي بلتعة بدرا والحديبية " أن غلام [23] .
وحاطب هذا هو الذي كاتب المشركين بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبسبب ذلك نزل [24] : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) [ سورة الممتحنة : 1 ] الآية ، وكان مسيئا إلى مماليكه ، ولهذا قال مملوكه هذا القول ، وكذبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : " إنه شهد بدرا والحديبية " وفي الصحيح : " " . لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة
وهؤلاء فيهم ممن قاتل ، عليا كطلحة [25] ، وإن كان قاتل والزبير فيهم فهو أبلغ من غيره . عمار
وكان الذين بايعوه تحت الشجرة نحو ألف وأربعمائة ، وهم الذين فتح الله عليهم [26] خيبر [27] ، كما وعدهم الله بذلك في سورة الفتح ، وقسمها بينهم [ ص: 57 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - على ثمانية عشر سهما ; لأنه كان فيهم مائتا فارس ، فقسم للفارس ثلاثة أسهم : سهما له ، وسهمين لفرسه ، فصار لأهل الخيل ستمائة سهم ، ولغيرهم ألف ومائتا سهم . هذا هو الذي ثبت في الأحاديث الصحيحة [28] ، وعليه أكثر أهل العلم ، كمالك والشافعي وغيرهم . وقد ذهب طائفة إلى أنه أسهم للفارس سهمين ، وأن الخيل كانت ثلاثمائة ، كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب وأحمد . أبي حنيفة
وأما فلا ريب أنه قاتل معه طائفة من السابقين الأولين ، علي كسهل بن حنيف ، . لكن الذين لم يقاتلوا معه كانوا أفضل ، فإن وعمار بن ياسر لم يقاتل معه ، ولم يكن قد بقي من الصحابة بعد سعد بن أبي وقاص أفضل منه . وكذلك علي محمد بن مسلمة من الأنصار [29] ، وقد جاء في [30] الحديث : " أن الفتنة لا تضره " [31] فاعتزل . وهذا مما استدل به على أن القتال كان قتال فتنة بتأويل ، لم يكن من الجهاد الواجب ولا المستحب .
- ومن معه - أولى بالحق من وعلي وأصحابه ، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " معاوية " تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين ، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق [32] فدل هذا الحديث على أن أولى بالحق ممن قاتله ; فإنه هو الذي قتل عليا الخوارج لما افترق المسلمون ، فكان قوم معه وقوم عليه . ثم إن هؤلاء الذين قاتلوه لم يخذلوا ، بل ما زالوا [33] [ ص: 58 ] منصورين يفتحون البلاد ويقتلون الكفار .
وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة [34] قال : " : " وهم معاذ بن جبل بالشام " .
وفي عن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أبي هريرة " لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة [35] . قال وغيره : " أهل الغرب هم أحمد بن حنبل أهل الشام " .
وهذا كما ذكروه ; فإن كل بلد له غرب وشرق ، والاعتبار في لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - بغرب مدينته ، ومن الفرات هو غرب المدينة ، فالبيرة [36] ونحوها على سمت المدينة ، كما أن حران [37] والرقة [38] وسميساط [39] ونحوها على سمت مكة . ولهذا يقال : إن قبلة هؤلاء أعدل القبل ، بمعنى أنك تجعل القطب الشمالي خلف ظهرك ، فتكون مستقبل الكعبة ، فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة إلى آخر الأرض ، وأهل الشام أول هؤلاء .
[ ص: 59 ] والعسكر الذين قاتلوا مع ما خذلوا قط ، بل ولا في قتال معاوية . فكيف يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " علي اللهم اخذل من خذله وانصر من نصره " [ والذين قاتلوا معه لم ينصروا على هؤلاء ، الشيعة الذين تزعمون أنهم مختصون ما زالوا مخذولين مقهورين لا ينصرون إلا مع غيرهم : إما مسلمين وإما كفار بعلي ، وهم يدعون أنهم أنصاره ] بل [40] ، فأين نصر الله لمن نصره ؟ ! وهذا وغيره مما يبين كذب هذا الحديث .