فصل .
قال الرافضي [1] : " إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ) [ سورة النجم : 1 - 2 ] روى الفقيه البرهان الرابع : قوله تعالى : ( والنجم علي بن المغازلي [2] الشافعي بإسناده عن ، قال : كنت جالسا مع فتية من ابن عباس بني هاشم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ انقض كوكب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من انقض هذا النجم في منزله ، فهو الوصي من بعدي " فقام فتية من بني هاشم ، فنظروا ، فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي [3] ، قالوا : يا رسول الله قد [4] غويت في حب ، فأنزل الله تعالى : ( [ ص: 60 ] علي والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى [ سورة النجم : 1 - 2 ] .
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحته ، كما تقدم . وذلك أن . القول بلا علم حرام بالنص والإجماع
قال تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) [ سورة الإسراء : 36 ] .
وقال : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [ سورة الأعراف : 33 ] .
وقال : ( ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ) [ سورة آل عمران : 66 ] .
وقال : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ) [ سورة الحج : 3 ] .
وقال : ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ) [ سورة غافر : 35 ] [5] .
والسلطان الذي أتاهم هو الحجة الآتية من عند الله ، كما قال : ( أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون ) [ سورة الروم : 35 ] وقال : ( أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين ) [ سورة الصافات : 156 - 157 ] .
وقال : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) [ سورة النجم : 23 ] [ ص: 61 ] فما جاءت به الرسل عن الله فهو سلطان ، فالقرآن [6] سلطان ، والسنة سلطان ، لكن لا يعرف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء به إلا بالنقل الصادق عن الله ، فكل من احتج بشيء منقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه أن يعلم صحته ، قبل أن يعتقد موجبه ويستدل به . وإذا احتج به على غيره ، فعليه بيان صحته ، وإلا كان قائلا بلا علم ، مستدلا بلا علم .
وإذا علم أن في الكتب المصنفة في الفضائل ما هو كذب ، صار الاعتماد على مجرد ما فيها ، مثل الاستدلال بشهادة الفاسق ، الذي يصدق تارة ويكذب أخرى . بل لو لم يعلم أن فيها كذبا ، لم يفدنا علما حتى نعلم [7] ثقة من رواها .
وبيننا وبين الرسول مئون من السنين [8] ، ونحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقا وكذبا [9] ، وقد روى عنه أنه قال : سيكذب علي ، فإن كان هذا الحديث صدقا ، فلا بد أن يكذب عليه ، وإن كان كذبا فقد كذب عليه . وإن [10] كان كذلك لم يجز لأحد أن يحتج في مسألة فرعية بحديث حتى يبين ما به يثبت ، فكيف يحتج في مسائل الأصول ، التي يقدح فيها في خيار القرون وجماهير المسلمين وسادات أولياء الله المقربين ، بحيث لا يعلم المحتج به صدقه ؟ .
[ ص: 62 ] وهو لو قيل له : أتعلم أن هذا واقع ؟ فإن قال : أعلم ذلك ، فقد كذب . فمن أين [11] يعلم وقوعه ؟ ويقال له : من أين علمت صدق ذلك ، وذلك [ مما ] [12] لا يعرف إلا بالإسناد [13] ومعرفة أحوال الرواة ؟ وأنت لا تعرفه ، ولو أنك عرفته لعرفت أن هذا كذب .
وإن قال : لا أعلم ذلك . فكيف يسوغ لك [14] الاحتجاج بما لا تعلم [15] صحته ؟ .
الثاني : أن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالحديث . وهذا المغازلي [16] ليس من أهل الحديث ، كأبي نعيم وأمثاله ، ولا هو أيضا [17] من جامعي العلم الذين يذكرون ما غالبه حق وبعضه باطل ; وأمثاله ، بل هذا لم يكن الحديث من صنعته ، فعمد إلى ما وجده من كتب الناس من فضائل كالثعلبي فجمعها ، كما فعل علي أخطب خوارزم ، وكلاهما لا يعرف الحديث ، وكل منهما يروي فيما جمعه من الأكاذيب الموضوعة ، ما لا يخفى أنه كذب على أقل علماء النقل والحديث [18] .
ولسنا نعلم [19] أن أحدهما يتعمد ) [20] الكذب فيما ينقله [21] ، لكن الذي [ ص: 63 ] تيقناه أن الأحاديث التي يروونها [22] فيها ما هو كذب كثير [23] باتفاق أهل العلم ، وما قد كذبه الناس قبلهم ، وهما - وأمثالهما - قد يروون ذلك ولا يعلمون أنه كذب ، وقد يعلمون أنه كذب . فلا أدري هل كانا من أهل العلم بأن هذا كذب ؟ أو كانا مما لا يعلمان ذلك ؟ .
وهذا الحديث ذكره الشيخ [24] أبو الفرج في " الموضوعات " [25] لكن بسياق آخر [26] ، من حديث محمد بن مروان ، عن ، عن الكلبي أبي صالح ، عن قال : ابن عباس لما عرج بالنبي [27] - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء السابعة ، وأراه الله من العجائب في كل سماء ، فلما أصبح [28] جعل يحدث الناس عن عجائب ربه [29] ، فكذبه من أهل مكة من كذبه ، وصدقه من صدقه ، فعند ذلك انقض نجم من السماء ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : في دار من [30] وقع [ هذا النجم ] [31] فهو خليفتي من بعدي ، فطلبوا [32] ذلك النجم [33] فوجدوه في دار [ - رضي الله عنه - ] علي بن أبي طالب [34] فقال أهل مكة : [ ص: 64 ] ضل محمد وغوى ، وهوى أهل بيته [35] ، ومال إلى ابن عمه - رضي الله عنه - فعند ذلك نزلت هذه السورة : ( علي بن أبي طالب والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى [36] [ سورة النجم : 1 - 2 ] . قال : " أبو الفرج [37] : " هذا حديث موضوع لا شك فيه ، وما أبرد الذي وضعه ، وما أبعد ما ذكر ، وفي إسناده ظلمات منها أبو صالح وكذلك [38] الكلبي ومحمد بن مروان السدي ، والمتهم به . قال الكلبي أبو حاتم بن حبان [39] : كان من الذين يقولون : إن الكلبي لم يمت ، وإنه يرجع إلى الدنيا ، وإن رأوا سحابة قالوا : أمير المؤمنين فيها . لا يحل الاحتجاج به . قال : والعجب عليا [40] من تغفيل [41] من وضع هذا الحديث ، كيف رتب ما لا يصح [42] في المعقول [43] من أن النجم يقع في دار ويثبت إلى أن يرى [44] ، ومن بلهه أنه وضع هذا الحديث على ، وكان ابن عباس زمن ابن عباس [45] المعراج ابن سنتين ، فكيف يشهد تلك الحالة [46] ويرويها ؟ " .
[ ص: 65 ] قلت : إذا لم يكن هذا الحديث في تفسير المعروف عنه ، فهو مما وضع بعده . وهذا هو الأقرب . قال الكلبي أبو الفرج [47] : وقد سرق هذا الحديث بعينه قوم وغيروا إسناده ، ورووه [48] بإسناد غريب [49] من طريق أبي بكر العطار ، عن سليمان بن أحمد المصري ، ومن طريق أبي قضاعة ربيعة بن محمد ، حدثنا ثوبان بن إبراهيم ، حدثنا مالك بن غسان النهشلي ، عن أنس [50] قال : " انقض كوكب على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : انظروا إلى هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو خليفة [51] من بعدي . قال : فنظرنا ، فإذا هو قد [52] انقض في منزل علي [53] ، فقال جماعة [54] : قد غوى محمد في حب علي [55] . فأنزل الله تعالى : ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ) الآيات [56] [ سورة [ ص: 66 ] النجم : 1 - 2 ] قال أبو الفرج [57] : وهذا [ الحديث ] هو المتقدم [58] سرقه [59] بعض هؤلاء الرواة فغير [60] إسناده ، ومن تغفيله وضعه إياه على فإن أنس لم يكن أنسا بمكة زمن المعراج [61] ، ولا حين نزول هذه السورة [62] ; لأن المعراج كان قبل الهجرة بسنة ، إنما عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنس بالمدينة ، وفي هذا الإسناد ظلمات . أما مالك النهشلي فقال : يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ، وأما ابن حبان ثوبان فهو أخو ذي النون المصري ضعيف في الحديث ، وأبو قضاعة منكر الحديث متروكه ، وأبو بكر [63] العطار وسليمان بن أحمد مجهولان " .
الوجه الثالث : أنه مما يبين أنه كذب أن فيه شهد نزول سورة النجم حين انقض الكوكب في منزل ابن عباس ، وسورة النجم باتفاق الناس من أول ما نزل علي بمكة ، حين مات النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مراهقا للبلوغ لم يحتلم بعد ، هكذا ثبت عنه في الصحيحين . فعند نزول هذه الآية : إما أن وابن عباس لم يكن ولد بعد ، وإما أنه كان طفلا لا يميز ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر كان ابن عباس نحو خمس لابن عباس [64] سنين ، والأقرب أنه لم يكن ولد عند نزول سورة النجم ، فإنها من أوائل ما نزل من القرآن .
[ ص: 67 ] الوجه الرابع : أنه لم ينقض قط كوكب إلى الأرض بمكة ولا بالمدينة ولا غيرهما . ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كثر الرمي بالشهب ، ومع هذا فلم [65] ينزل كوكب إلى الأرض . وهذا ليس من الخوارق التي تعرف في العالم ، بل هو من الخوارق التي لا يعرف مثلها في العالم ، ولا يروي مثل هذا إلا من [ هو من ] أوقح [66] الناس ، وأجرئهم على الكذب ، وأقلهم حياء ودينا ، ولا يروج إلا على من هو من أجهل الناس وأحمقهم ، وأقلهم معرفة وعلما .
الوجه الخامس : أن نزول سورة النجم كان في أول الإسلام ، وعلي إذ ذاك كان صغيرا ، والأظهر أنه لم يكن احتلم [67] ولا تزوج ، ولا شرع بعد فرائض الصلاة أربعا وثلاثا واثنين ، ولا فرائض الزكاة ، ولا حج البيت بفاطمة [68] ، ولا صوم رمضان [69] ، ولا عامة قواعد الإسلام .
وأمر الوصية بالإمامة لو كان حقا إنما يكون في آخر الأمر كما ادعوه يوم غدير خم ، فكيف يكون قد نزل في ذلك الوقت ؟ .
الوجه السادس : أن أهل العلم بالتفسير متفقون على خلاف هذا ، وأن النجم المقسم به : إما نجوم السماء ، وإما نجوم القرآن ، ونحو ذلك . ولم يقل أحد : إنه كوكب نزل في دار أحد بمكة .
الوجه السابع : أن من قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " غويت " [ ص: 68 ] ، فهو كافر ، والكفار لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بالفروع قبل الشهادتين والدخول في الإسلام .
الوجه الثامن : أن هذا النجم إن كان صاعقة ، فليس نزول الصاعقة في بيت شخص كرامة له ، وإن كان من نجوم السماء فهذه لا تفارق الفلك ، وإن كان من الشهب فهذه [70] يرمى بها رجوما للشياطين ، وهي لا تنزل إلى الأرض . ولو قدر أن الشيطان الذي رمي بها وصل إلى بيت علي حتى احترق بها ، فليس هذا كرامة له ، مع أن هذا لم [71] يقع قط .