الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " إن مخالفته تنافي المودة ، وامتثال [1] أوامره هو مودته [2] ، فيكون واجب الطاعة ، وهو معنى [3] الإمامة " . فجوابه من وجوه : أحدها : إن كان المودة توجب الطاعة فقد وجبت مودة ذوي القربى فتجب طاعتهم ، فيجب أن تكون فاطمة أيضا إماما ، وإن كان هذا باطلا فهذا [4] مثله . الثاني : أن المودة ليست مستلزمة للإمامة في حال وجوب المودة ، فليس [ ص: 108 ] من وجبت مودته كان إماما حينئذ ، بدليل أن الحسن والحسين تجب مودتهما قبل مصيرهما إمامين ، وعلي تجب مودته [5] في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن إماما ، بل تجب وإن تأخرت إمامته إلى مقتل عثمان . الثالث : أن وجوب المودة إن كان ملزوم الإمامة ، [ وانتفاء الملزوم ] [6] يقتضي انتفاء اللازم ، فلا تجب المودة إلا من يكون إماما معصوما . فحينئذ لا يود أحدا [7] من المؤمنين ولا يحبهم ، فلا تجب مودة أحد من المؤمنين ولا محبته إذا لم يكونوا أئمة : لا شيعة علي ولا غيرهم . وهذا خلاف الإجماع ، وخلاف ما علم بالاضطرار من دين الإسلام . الرابع : أن قوله : " والمخالفة تنافي المودة " . يقال : متى ؟ إذا كان ذلك واجب الطاعة أو مطلقا ؟ الثاني ممنوع ، وإلا لكان [8] من أوجب على غيره شيئا لم يوجبه الله عليه إن خالفه فلا يكون محبا له ، فلا يكون مؤمن [9] محبا لمؤمن حتى يعتقد وجوب طاعته ، وهذا معلوم الفساد . أما الأول فيقال [10] : إذا لم تكن المخالفة قادحة في المودة إلا إذا كان واجب الطاعة ، فحينئذ يجب أن يعلم أولا وجوب الطاعة ، حتى تكون مخالفته قادحة في مودته . فإذا ثبت [11] وجوب الطاعة بمجرد وجوب المودة [ ص: 109 ] باطلا ، وكان ذلك دورا ممتنعا ، فإنه لا يعلم أن المخالفة تقدح في المودة حتى يعلم وجوب الطاعة ، ولا يعلم وجوب الطاعة إلا إذا علم أنه إمام ، ولا يعلم أنه إمام حتى يعلم أن مخالفته تقدح في مودته [12] . الخامس : أن يقال : المخالفة تقدح في المودة إذا أمر بطاعته أم لم يؤمر [13] ؟ والثاني منتف ضرورة . وأما الأول فإنا نعلم أن عليا لم يأمر الناس بطاعته في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان . السادس : يقال : هذا بعينه يقال : " في حق أبي بكر وعمر وعثمان ، فإن مودتهم ومحبتهم وموالاتهم واجبة كما تقدم ، ومخالفتهم تقدح في ذلك . السابع : الترجيح من هذا الحديث ، لأن القوم دعوا الناس إلى ولايتهم وطاعتهم وادعوا الإمامة ، والله أوجب طاعتهم ، فمخالفتهم [14] [15] تقدح في مودتهم ، بل تقدح في محبة الله ورسوله . ولا ريب أن الذي ابتدع الرفض لم يكن محبا لله ولرسوله ، بل كان [16] عدوا [17] لله . وهؤلاء القوم مع أهل السنة بمنزلة النصارى مع المسلمين ، فالنصارى يجعلون المسيح إلها ، ويجعلون إبراهيم وموسى ومحمدا أقل من الحواريين الذين كانوا مع عيسى . وهؤلاء يجعلون عليا هو الإمام المعصوم ، أو هو [18] النبي أو إله [19] ، والخلفاء الأربعة [20] [ ص: 110 ] أقل من [21] مثل الأشتر النخعي [22] وأمثاله الذين قاتلوا معه . ولهذا كان جهلهم وظلمهم أعظم من أن يوصف : ويتمسكون بالمنقولات المكذوبة ، والألفاظ المتشابهة ، والأقيسة الفاسدة ، ويدعون المنقولات الصادقة بل [23] المتواترة ، والنصوص البينة ، والمعقولات الصريحة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية