الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل . قال الرافضي [1] : " البرهان العاشر : قوله تعالى : ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) [ سورة البقرة : 37 ] . روى [ الفقيه ] [2] ابن المغازلي [3] الشافعي بإسناده عن ابن عباس ، قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكلمات التي تلقاها آدم [4] من ربه فتاب عليه . قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين أن يتوب عليه [5] ، فتاب عليه . وهذه فضيلة لم يلحقه أحد من الصحابة فيها ، فيكون هو الإمام لمساواته النبي - صلى الله عليه وسلم - في التوسل به إلى الله تعالى " . والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة هذا النقل ، فقد عرف أن مجرد رواية [6] ابن المغازلي [7] لا يسوغ الاحتجاج بها باتفاق أهل العلم . [ ص: 131 ] الثاني : أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم ، وذكره أبو الفرج بن الجوزي في " الموضوعات " عن طريق الدارقطني [8] ، فإن له كتبا [9] في الأفراد والغرائب [10] . قال الدارقطني : " تفرد به عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي المقدام ، لم يروه عنه غير حسن [11] الأشقر . قال يحيى بن معين : عمرو بن ثابت ليس ثقة ولا مأمونا . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات " . الثالث : أن الكلمات التي تلقاها آدم قد جاءت مفسرة في قوله تعالى : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) [ سورة الأعراف : 23 ] . وقد روي عن السلف هذا وما يشبهه [12] ، وليس في شيء من النقل الثابت عنهم ما ذكره من القسم . الرابع : أنه معلوم بالاضطرار أن من هو دون آدم من الكفار والفساق إذا تاب أحدهم إلى الله تاب الله عليه ، وإن لم يقسم عليه بأحد . فكيف يحتاج آدم في توبته إلى ما لا يحتاج إليه أحد من المذنبين لا مؤمن ولا كافر . وطائفة قد رووا أنه توسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قبل توبته ، وهذا كذب . وروي عن مالك في ذلك حكاية في خطابه للمنصور ، وهو كذب على مالك ، وإن كان ذكرها القاضي عياض في " الشفاء " . [ ص: 132 ] الخامس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أحدا بالتوبة بمثل هذا الدعاء ، بل ولا أمر أحدا بمثل هذا الدعاء في توبة ولا غيرها ، بل ولا شرع لأمته أن يقسموا على الله بمخلوق ولو كان هذا الدعاء مشروعا لشرعه لأمته . السادس : أن الإقسام على الله بالملائكة والأنبياء أمر لم يرد به كتاب ولا سنة ، بل قد نص غير واحد من أهل العلم - كأبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما - على أنه لا يجوز أن يقسم على الله بمخلوق . وقد بسطنا الكلام على ذلك . السابع : أن هذا لو كان مشروعا فآدم نبي كريم ، كيف يقسم على الله بمن هو أكرم عليه منه ؟ ولا ريب أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أفضل من آدم ، لكن آدم أفضل من علي وفاطمة وحسن وحسين . الثامن : أن يقال : هذه ليست من خصائص الأئمة ، فإنها قد ثبتت لفاطمة . وخصائص الأئمة لا تثبت للنساء . وما لم يكن من خصائصهم لم يستلزم الإمامة ، فإن دليل الإمامة لا بد أن يكون ملزوما لها ، يلزم من وجوده استحقاقها ، فلو كان هذا دليلا على الإمامة لكان من يتصف به يستحقها ، والمرأة لا تكون إماما بالنص والإجماع .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية