الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل قال الرافضي [1] : " البرهان الثاني عشر : قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) [ ص: 136 ] [ سورة مريم : 96 ] روى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني [2] بإسناده إلى ابن عباس قال نزلت في علي . والود محبة في القلوب المؤمنة . وفي تفسير [3] الثعلبي عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي [4] : يا علي قل : اللهم اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي في صدور المؤمنين [5] مودة . فأنزل الله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) [ سورة مريم : 96 ] ، ولم يثبت لغيره ذلك ، فيكون هو الإمام [6] " . والجواب من وجوه : أحدها : أنه لا بد من إقامة الدليل على صحة المنقول ، وإلا فالاستدلال [7] بما لا تثبت مقدماته باطل بالاتفاق ، وهو من القول بلا علم ومن قفو الإنسان بما ليس له به علم ، ومن المحاجة بغير علم . والعزو المذكور لا يفيد [8] الثبوت باتفاق أهل السنة والشيعة . الوجه الثاني : أن هذين الحديثين من الكذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث [9] . [ ص: 137 ] الثالث : أن [10] قوله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) [ سورة مريم : 96 ] عام في جميع المؤمنين ، فلا يجوز تخصيصها بعلي ، بل هي متناولة لعلي وغيره [11] ، والدليل عليه أن [12] الحسن والحسين وغيرهما من المؤمنين الذين تعظمهم الشيعة داخلون في الآية ، فعلم بذلك الإجماع على عدم اختصاصها بعلي . وأما قوله : " ولم يثبت مثل ذلك لغيره من الصحابة " فممنوع كما تقدم ، فإنهم خير القرون ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات فيهم أفضل منهم في سائر القرون ، وهم بالنسبة إليهم أكثر منهم في كل قرن بالنسبة إليه . الرابع : أن الله قد أخبر أنه سيجعل للذين آمنوا وعملوا الصالحات ودا . وهذا وعد منه صادق . ومعلوم أن الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم ، لا سيما الخلفاء - رضي الله عنهم - ، لا سيما أبو بكر وعمر ; فإن عامة الصحابة والتابعين كانوا يودونهما [13] ، وكانوا [14] خير القرون . ولم يكن كذلك علي ، فإن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه [ ص: 138 ] ويسبونه ويقاتلونه ، وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - قد أبغضهما وسبهما الرافضة والنصيرية والغالية والإسماعيلية . لكن معلوم أن الذين أحبوا ذينك [15] أفضل وأكثر ، وأن الذين أبغضوهما أبعد عن الإسلام وأقل ، بخلاف علي ، فإن الذين أبغضوه وقاتلوه هم خير من الذين أبغضوا أبا بكر وعمر ، بل شيعة عثمان الذين يحبونه ويبغضون عليا ، وإن كانوا مبتدعين ظالمين ، فشيعة علي الذين يحبونه ويبغضون عثمان أنقص منهم علما ودينا ، وأكثر جهلا وظلما . فعلم أن المودة التي جعلت للثلاثة أعظم . وإذا قيل : علي قد ادعيت [16] فيه الإلهية والنبوة . قيل : قد كفرته الخوارج كلها ، وأبغضته المروانية . وهؤلاء خير من الرافضة الذين يسبون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فضلا عن الغالية [17] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية