فصل
قال الرافضي [1] : " البرهان الخامس عشر : ولتعرفنهم في لحن القول ) [ سورة محمد : 30 ] . روى قوله تعالى : ( أبو نعيم [2] بإسناده عن [3] ، في قوله تعالى : ( أبي سعيد الخدري ولتعرفنهم في لحن القول ) قال : ببغضهم . ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك ، فيكون أفضل منهم ، فيكون هو الإمام " . عليا
والجواب : المطالبة بصحة النقل أولا .
والثاني : أن هذا من الكذب على عند أهل المعرفة بالحديث أبي سعيد [4] .
الثالث : أن يقال : لو ثبت أنه قاله ، فمجرد قول قول واحد من الصحابة ، وقول الصاحب إذا خالفه صاحب آخر ليس بحجة باتفاق [ ص: 147 ] أهل العلم . وقد علم قدح كثير من الصحابة في أبي سعيد ، وإنما احتج عليهم بالكتاب والسنة ، لا بقول آخر من الصحابة . علي
الرابع : أنا نعلم بالاضطرار أن عامة المنافقين لم يكن ما يعرفون به من [5] لحن القول هو بغض ، فتفسير القرآن بهذا فرية ظاهرة . علي
الخامس : أن لم يكن أعظم معاداة للكفار والمنافقين من عليا ، بل * ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه كما يتأذون من عمر ، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه إلا وكان بغضهم عمر أشد * لعمر [6] .
السادس : أنه في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الأنصار [7] ، وآية النفاق بغض الأنصار " . وقال : " آية الإيمان حب الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر " " لا يبغض [8] . فكان معرفة المنافقين في لحنهم ببغض الأنصار أولى .
فإن هذه الأحاديث أصح مما يروى ، أنه قال : [ إنه ] علي [9] لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " . فإن هذا من أفراد عن ، وهو من رواية مسلم ، عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش علي [10] ، أعرض عن هذا الحديث ، بخلاف أحاديث والبخاري الأنصار ، [ ص: 148 ] فإنها مما اتفق عليه أهل الصحيح كلهم : وغيره ، وأهل العلم يعلمون يقينا البخاري [11] أن النبي قاله ، وحديث قد شك فيه بعضهم . علي
السابع : أن علامات النفاق كثيرة ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان " [12] . فهذه علامات ظاهرة . فعلم أن علامات النفاق لا تختص بحب شخص أو طائفة ولا بغضهم ، إن كان ذلك من العلامات . ولا ريب أن لله بما يستحقه من المحبة لله ، فذلك من الدليل على إيمانه عليا ، وكذلك من أحب من أحب الأنصار ; لأنهم نصروا الله ورسوله ، فذلك من علامات إيمانه ، ومن أبغض عليا والأنصار لما فيهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ; فهو منافق .
وأما من أحب الأنصار أو أو غيرهم لأمر طبيعي مثل قرابة بينهما ، فهو كمحبة عليا أبي طالب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك لا ينفعه عند الله ومن غلا في الأنصار ، أو في أو في علي المسيح أو في نبي فأحبه واعتقد فيه فوق مرتبته فإنه لم يحبه في الحقيقة ، إنما أحب ما لا وجود له ، كحب النصارى للمسيح ، فإن المسيح أفضل من . علي
وهذه المحبة لا تنفعهم ، فإنه إنما ينفع الحب لله ، لا الحب مع الله .
قال تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ) [ ص: 149 ] ومن قدر أنه سمع عن بعض الأنصار أمرا يوجب [13] بغضه فأبغضه لذلك ، كان ضالا مخطئا ، ولم يكن منافقا بذلك . وكذلك كان جاهلا ظالما ولم يكن منافقا . من اعتقد في بعض الصحابة اعتقادا غير مطابق ، وظن فيه أنه كان كافرا أو فاسقا فأبغضه لذلك
وهذا مما يبين به كذب ما يروى عن بعض الصحابة كجابر ، أنه قال : " ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ببغضهم " فإن هذا النفي من أظهر الأمور كذبا ، لا يخفى بطلان هذا النفي على [ آحاد الناس ، فضلا عن أن يخفى مثل ذلك على ] علي بن أبي طالب [14] أو نحوه . جابر
فإن الله قد ذكر في سورة التوبة وغيرها من علامات المنافقين وصفاتهم أمورا متعددة ، ليس في شيء منها بغض . علي
كقوله [15] ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ) [ سورة التوبة : 49 ] .
وقوله : ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) [ سورة التوبة : 58 ] .
وقوله : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ) [ سورة التوبة : 61 ] .
وقوله : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ) [ ص: 150 ] [ سورة التوبة : 75 ] إلى قوله ( وبما كانوا يكذبون ) [ سورة التوبة : 77 ] . إلى أمثال ذلك من الصفات التي يصف بها المنافقين [16] ، وذكر علاماتهم وذكر الأسباب الموجبة للنفاق .
وكل ما كان موجبا للنفاق فهو دليل عليه وعلامة له . فكيف يجوز لعاقل أن يقول : لم يكن للمنافقين علامة [ يعرفون بها ] [17] غير [18] بغض ؟ وقد كان من علامتهم التخلف عن الجماعة ، كما في الصحيح عن علي أنه قال : أيها الناس حافظوا على [ هؤلاء ] ابن مسعود [19] الصلوات الخمس حيث ينادى بهن [20] ، فإنهن من سنن الهدى ، وإن الله [21] شرع لنبيه سنن الهدى ، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، [22] ولو تركتم سنة نبيكم [23] لضللتم ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها [24] إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف [25] " [ ص: 151 ] الرافضة ، حتى يوجد فيهم من النفاق الغليظ الظاهر ما لا يوجد في غيرهم . وشعار دينهم " التقية " التي هي أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، وهذا علامة النفاق . وعامة علامات النفاق وأسبابه ليست في أحد من أصناف الأمة أظهر منها في
كما قال الله تعالى : ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون ) [ سورة آل عمران : 166 - 167 ] .
وقال تعالى : ( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا ) [ سورة التوبة : 74 ] [26] .
وقال تعالى : ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ) [ سورة البقرة : 10 ] وفيها قراءتان [27] : يكذبون ، ويكذبون [28] .
وفي الجملة [ فعلامات ] [29] النفاق مثل الكذب والخيانة وإخلاف [30] الوعد والغدر لا يوجد في طائفة أكثر منها في الرافضة . وهذا من صفاتهم القديمة ، حتى إنهم كانوا يغدرون بعلي وبالحسن [ ص: 152 ] وفي الصحيحين عن والحسين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : عبد الله بن عمر [31] ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف [32] . وهذا لبسطه موضوع آخر .
والمقصود هنا أنه علي ، ولا يقول هذا أحد من الصحابة ، لكن الذي قد يقال : إن بغضه من علامات النفاق ، كما في الحديث المرفوع : يمتنع أن يقال : لا علامة للنفاق إلا بغض " لا يبغضني إلا منافق " [33] ، فهذا يمكن توجيهه ، فإنه من علم ما قام به - رضي الله عنه - من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ، ثم أبغضه على ذلك ، فهو منافق . علي
ونفاق من يبغض الأنصار أظهر ; فإن الأنصار قبيلة عظيمة لهم مدينة ، وهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين ، وبالهجرة إلى دارهم عز الإيمان ، واستظهر أهله ، وكان لهم من نصر الله ورسوله ما لم يكن لأهل مدينة غيرهم ، ولا لقبيلة سواهم ، فلا يبغضهم إلا منافق . ومع هذا فليسوا بأفضل من المهاجرين ، بل المهاجرون أفضل منهم .
فعلم أنه لا يلزم من كون بغض الشخص من علامات النفاق أن يكون أفضل من غيره . ولا يشك من عرف أحوال الصحابة أن كان أشد عداوة للكفار والمنافقين من عمر ، وأن تأثيره في نصر الإسلام وإعزازه [ ص: 153 ] وإذلال الكفار والمنافقين أعظم من تأثير علي ، وأن الكفار والمنافقين أعداء الرسول يبغضونه أعظم مما يبغضون علي . عليا
ولهذا كان الذي قتل كافرا يبغض دين الإسلام ، ويبغض الرسول وأمته فقتله بغضا للرسول ودينه وأمته . والذي قتل عمر كان يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ، وقتله معتقدا أن الله ورسوله يحب قتل عليا ، وفعل ذلك محبة لله ورسوله - في زعمه - وإن كان في ذلك ضالا مبتدعا . علي
والمقصود أن أظهر منه في بغض عمر . ولهذا لما كان علي الرافضة من أعظم الطوائف نفاقا كانوا يسمون فرعون الأمة عمر . وكانوا يوالون النفاق في بغض أبا لؤلؤة - قاتله الله - الذي هو من أكفر الخلق وأعظمهم عداوة لله ولرسوله [34] .