فصل
قال الرافضي [1] : البرهان السادس عشر : والسابقون السابقون أولئك المقربون ) [ سورة الواقعة : 10 - 11 ] قوله تعالى : ( [2] . روى أبو نعيم [3] عن ابن عباس [4] في هذه الآية : سابق هذه الأمة [ ص: 154 ] . روى علي بن أبي طالب [5] الفقيه ابن المغازلي [6] الشافعي ، عن ، عن مجاهد في قوله : ( ابن عباس والسابقون السابقون ) قال : سبق يوشع بن نون إلى موسى ، وسبق موسى إلى هارون ، وسبق صاحب يس إلى عيسى ، وسبق إلى علي محمد - صلى الله عليه وسلم - [7] . وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة ، فيكون هو الإمام [8] " .
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة النقل ، فإن الكذب كثير فيما يرويه هذا وهذا .
الثاني : أن هذا باطل عن ، ولو صح عنه ابن عباس [9] لم يكن حجة إذا خالفه من هو أقوى منه [10] .
الثالث : أن الله يقول : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ) [ سورة التوبة : 100 ] [ ص: 155 ] وقال تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ) الآية [ سورة فاطر : 32 ] .
والسابقون الأولون هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا ، الذين هم أفضل ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل ودخل فيهم أهل بيعة الرضوان ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ، فكيف يقال : إن سابق هذه الأمة واحد ؟ !
الرابع : قوله : " وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة " ممنوع ; فإن الناس متنازعون في أول من أسلم ، فقيل : أول من أسلم ، فهو أسبق إسلاما من أبو بكر . وقيل : إن علي أسلم قبله . لكن عليا كان صغيرا ، وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء . ولا نزاع في أن إسلام علي أكمل وأنفع ، فيكون هو أكمل سبقا بالاتفاق ، وأسبق على الإطلاق على القول الآخر . فكيف يقال : أبي بكر أسبق منه بلا حجة تدل على ذلك . علي
الخامس : أن هذه الآية فضلت السابقين [11] الأولين ، ولم تدل على أن كل من كان أسبق إلى الإسلام كان أفضل من غيره . وإنما يدل على أن السابقين أفضل - قوله تعالى : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) [ سورة الحديد : 10 ] ، فالذين سبقوا إلى الإنفاق والقتال قبل الحديبية أفضل ممن بعدهم ، فإن الفتح فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية .
وإذا كان أولئك السابقون قد سبق بعضهم بعضا إلى الإسلام ، فليس [ ص: 156 ] في الآيتين ما يقتضي أن يكون أفضل مطلقا ، بل قد يسبق [12] إلى الإسلام من سبقه غيره إلى الإنفاق والقتال .
ولهذا كان - رضي الله عنه - ممن أسلم بعد تسعة وثلاثين ، وهو أفضل من أكثرهم بالنصوص الصحيحة ، وبإجماع الصحابة والتابعين ، وما علمت أحدا قط قال : إن عمر ونحوه أفضل من الزبير ، عمر أسلم قبل والزبير . ولا قال من يعرف من أهل [ العلم ] عمر [13] : إن أفضل من عثمان ، عمر أسلم قبل وعثمان . عمر
وإن كان الفضل بالسبق إلى الإنفاق والقتال فمعلوم أن أخص بهذا ، فإنه لم يجاهد قبله أحد : لا بيده ولا بلسانه ، بل هو من حين آمن بالرسول ينفق ماله ويجاهد بحسب الإمكان ، فاشترى من المعذبين في الله غير واحد ، وكان يجاهد مع الرسول قبل الأمر بالقتال أبا بكر [14] وبعد الأمر بالقتال [15] . كما قال تعالى : ( وجاهدهم به جهادا كبيرا ) [ سورة الفرقان : 52 ] فكان أسبق الناس وأكملهم في أنواع الجهاد بالنفس والمال . أبو بكر
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : [16] في صحبته وذات يده - أبو بكر " " إن أمن الناس علي [17] . والصحبة بالنفس ، وذات اليد هو المال ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمن الناس عليه في النفس والمال .