[ ص: 277 ] فصل
[1] : " البرهان الثامن والثلاثون : قوله تعالى : ( إخوانا على سرر متقابلين ) [ سورة الحجر : 47 ] من مسند قال الرافضي أحمد [2] بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى قال : [3] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [4] ، فقال : لقد ذهبت علي [5] روحي ، وانقطع ظهري ، حين فعلت بأصحابك [6] ، فإن كان هذا من سخط الله علي [7] ، فلك العقبى [8] والكرامة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي بعثني بالحق نبيا ، ما اخترتك [9] لا لنفسي ، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي [10] ، وأنت أخي [ ص: 278 ] ووارثي [11] ، وأنت معي في قصري في الجنة ، ومع ابنتي ، فأنت فاطمة [12] أخي ورفيقي . ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إخوانا على سرر متقابلين ) ، المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض . دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده ، فذكر قصة مؤاخاة ، فلما اختص والمؤاخاة تستدعي المناسبة والمشاكلة بمؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم علي [13] - كان هو الإمام " .
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة هذا الإسناد . وليس هذا الحديث في مسند ، ولا رواه أحمد [ قط ] أحمد [14] لا في المسند ولا في " الفضائل [15] " ولا ابنه [16] . فقول هذا الرافضي : " من مسند " أحمد [17] كذب وافتراء على المسند ، وإنما هو من زيادات * التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع ، رواه القطيعي * القطيعي [18] عن [19] عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا حسين بن محمد الذارع ، حدثنا عبد المؤمن بن عباد ، حدثنا يزيد بن معن ، عن عبد الله بن شرحبيل ، عن زيد بن أبي أوفى [20] .
[ ص: 279 ] وهذا الرافضي لم يذكره بتمامه فإن فيه عند قوله : وأنت أخي ووارثي . قال : وما أرث منك يا رسول الله ؟ قال : ما ورث الأنبياء من قبلي . قال : وما ورث الأنبياء من قبلك ؟ قال : كتاب الله وسنة نبيهم [21] .
وهذا الإسناد مظلم انفرد [22] به عبد المؤمن بن عباد أحد المجروحين ، ضعفه أبو حاتم [23] عن يزيد بن معن ، ولا يدري من هو ، فلعله الذي اختلقه عن عبد الله بن شرحبيل ، وهو مجهول ، عن رجل من قريش ، عن زيد [24] بن أبي أوفى .
الوجه الثاني : [ أن هذا ] [25] مكذوب مفترى باتفاق أهل المعرفة .
الثالث : أن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، والأنصار بعضهم مع بعض ، كلها كذب . والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخ ، ولا آخى بين عليا أبي بكر ، ولا بين مهاجري ومهاجري ، لكن وعمر المهاجرين والأنصار ، كما آخى بين آخى بين ، عبد الرحمن بن عوف ، وبين وسعد بن الربيع ، سلمان الفارسي ، وبين وأبي الدرداء ، علي . وسهل بن حنيف
[ ص: 280 ] وكانت المؤاخاة في دور بني النجار ، كما أخبر بذلك في الحديث الصحيح ، لم تكن في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر في الحديث الموضوع ، وإنما كانت في دار كان لبعض أنس بني النجار [26] ، وبناه في محلتهم . فالمؤاخاة التي أخبر بها ما في الصحيحين عن أنس عاصم بن سليمان الأحول ، قال : قلت لأنس : قريش والأنصار في داري أبلغت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا حلف في الإسلام " . فقال أنس : قد حالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين [27] .
الرابع : أن قوله في هذا الحديث : أنت أخي ووارثي ، باطل على قول أهل السنة والشيعة ، فإنه إن أراد ميراث المال بطل قولهم : إن ورثته . وكيف يرث ابن العم مع وجود العم وهو فاطمة ؟ وما الذي خصه بالإرث دون سائر بني العم الذين هم في درجة واحدة ؟ وإن أراد العباس [28] : وارث [29] العلم والولاية ، بطل احتجاجهم بقوله : ( وورث سليمان داود ) [ سورة النمل : 16 ] وقوله : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ) [ سورة مريم : 5 ، 6 ] ; [ ص: 281 ] إذ لفظ " الإرث " إذا كان محتملا لهذا ولهذا [30] أمكن أن [ أولئك ] [31] الأنبياء ورثوا كما ورث علي النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما أهل السنة فيعلمون أن علي ، بل كل ما ورثه النبي - صلى الله عليه وسلم - من العلم لم يختص به [32] من أصحابه حصل له نصيب بحسبه ، وليس العلم كالمال ، بل الذي يرثه هذا يرثه هذا ولا يتزاحمان [33] ; إذ لا يمتنع أن يعلم هذا ما علمه هذا ، كما يمتنع أن يأخذ هذا المال الذي أخذه هذا .
الوجه الخامس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثبت الأخوة لغير ، كما في الصحيحين أنه علي لزيد : " أنت أخونا ومولانا " قال [34] . لما خطب ابنته : ألست أخي ؟ قال : " أنا أخوك ، وبنتك حلال لي " أبو بكر وقال له [35] . وفي الصحيح أنه قال في حق : " أبي بكر " ولكن أخوة الإسلام [36] .
[ ص: 282 ] وقال في الصحيح أيضا [37] : " [38] يقول : أنتم لكم من الأخوة ما هو أخص منها ، وهو الصحبة ، وأولئك لهم أخوة بلا صحبة . وددت أن قد رأيت إخواني " . قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : " لا ، أنتم أصحابي ، ولكن إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني "
وقد قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة ) [ سورة الحجرات : 10 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ) أخرجاه في الصحيحين لا تقاطعوا ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخوانا [39] .
وقال : " " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه [40] .
.
وقال : " " والذي نفسي بيده ; لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه [41] .
[ ص: 283 ] وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح . وإذا كان كذلك علم أن مطلق المؤاخاة لا يقتضي [42] التماثل من كل وجه ، ولا يقتضي المناسبة والمشاكلة من كل وجه ، بل من بعض [43] الوجوه .
وإذا كان كذلك فلم قيل : إن مؤاخاة لو كانت صحيحة اقتضت الإمامة والأفضلية ، مع أن المؤاخاة مشتركة ؟ وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحاح من غير وجه أنه قال : " علي خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله . لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت ، إلا خوخة أبا بكر . إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبي بكر أبو بكر " لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت [44] .
وفي هذا إثبات خصائص لا يشركه لأبي بكر [45] فيها أحد [ غيره ] [46] ، وهو صريح في أنه ليس من أهل الأرض من هو أحب إليه ، ولا أعلى منزلة عنده ، ولا أرفع درجة ، ولا أكثر اختصاصا به من . أبي بكر
* كما في الصحيحين : قيل له : [ " أي الناس أحب إليك ؟ قال : " عائشة " . قيل : ومن الرجال ؟ قال : " أبوها [47] . وفي الصحيحين [ ص: 284 ] أنه قال : أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم عمر - عن [48] . فهذه الأحاديث التي ] * [49] [50] أجمع أهل العلم على صحتها وتلقيها بالقبول ، ( 3 ولم يقدح فيها أحد من العلم [51] تبين أن كان أحب إليه وأعلى عنده من جميع الناس 3 ) أبا بكر [52] .
وحينئذ فإن كانت المؤاخاة دون هذه المرتبة لم تعارضها ، وإن كانت أعلى كانت هذه الأحاديث الصحيحة تدل على كذب أحاديث المؤاخاة ، وإن كنا نعلم أنها كذب بدون هذه المعارضة .
لكن المقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة تبين أن كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبا بكر علي ، وأعلى قدرا عنده منه ومن كل [53] من سواه ، وشواهد هذا كثيرة [54] .
وقد روى بضعة وثمانون نفسا عن أنه قال : " خير هذه الأمة بعد نبيها علي ثم أبو بكر " . رواها عمر في الصحيح عن البخاري - رضي الله عنه - علي [55] . وهذا هو الذي يليق - رضي الله عنه - فإنه من أعلم الصحابة بحق بعلي أبي بكر ، وأعرفهم بمكانهما وعمر [56] من الإسلام ، وحسن تأثيرهما في الدين ، حتى إنه تمنى أن يلقى الله بمثل عمل - رضي الله عنهم أجمعين - . عمر
[ ص: 285 ] وروى - وغيره - مرفوعا عن الترمذي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " علي " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، لا تخبرهما يا علي [57] .
.
وهذا [58] الحديث وأمثاله لو عورض بها أحاديث المؤاخاة وأحاديث الطير ونحوه ; لكانت باتفاق المسلمين أصح منها ، فكيف إذا انضم إليها سائر الأحاديث التي لا شك في صحتها ؟ مع الدلائل الكثيرة المتعددة ، التي توجب علما ضروريا لمن علمها ، أن كان أحب الصحابة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفضل عنده من أبا بكر ، عمر ، وعثمان وغيرهم ، وكل من كان بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحواله أعلم كان بهذا أعرف ، وإنما يستريب فيه من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ; فأما وعلي [59] أن يصدق الكل أو يتوقف في الكل .
[ ص: 286 ] وأما أهل العلم بالحديث الفقهاء فيه فيعلمون هذا علما ضروريا . دع هذا ; فلا ريب أن كل من له في الأمة لسان صدق من علمائها وعبادها متفقون [60] على تقديم أبي بكر ، كما قال وعمر - رضي الله عنه - فيما نقله عنه الشافعي بإسناده ، قال : " لم يختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل البيهقي ، أبي بكر - رضي الله عنهما - وتقديمهما على جميع الصحابة " وعمر [61] .
وكذلك أيضا لم يختلف علماء الإسلام في ذلك ، كما هو قول وأصحابه ، مالك وأصحابه ، وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد وداود وأصحابه ، وأصحابه ، والثوري وأصحابه ، والليث وأصحابه ، و والأوزاعي إسحاق وأصحابه ، وأصحابه ، وابن جرير وأبي ثور وأصحابه ، وكما هو قول سائر العلماء المشهورين ، إلا من لا يؤبه له [62] ولا يلتفت إليه .
وما علمت من نقل عنه في ذلك نزاع من أهل الفتيا ، إلا ما نقل عن أنه كان يفضل الحسن بن صالح بن حي . وقيل : إن هذا كذب عليه . ولو صح هذا عنه لم يقدح فيما نقله عليا الشافعي [63] من الإجماع ; فإن الحسن بن صالح لم يكن من التابعين ولا من الصحابة . ذكر إجماع الصحابة والتابعين على تقديم والشافعي ، ولو قاله أبي بكر ، فإذا أخطأ واحد من مائة ألف إمام أو أكثر ، لم يكن ذلك بمنكر . الحسن
وليس في شيوخ الرافضة إمام في شيء من علوم الإسلام لا علم [ ص: 287 ] الحديث ولا الفقه ولا التفسير ولا القرآن ، بل شيوخ الرافضة إما جاهل وإما زنديق ، كشيوخ أهل الكتاب .
بل السابقون [64] الأولون وأئمة السنة والحديث متفقون على تقديم ، ومع هذا إنهم لم يجتمعوا على ذلك رغبة ولا رهبة ، بل مع تباين آرائهم وأهوائهم وعلومهم ، واختلافهم وكثرة اختلافاتهم فيما سوى ذلك من مسائل العلم ، فأئمة الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - متفقون على هذا ، ثم من بعدهم ، عثمان كمالك بن أنس ، ، وابن أبي ذئب ، وغيرهم من علماء وعبد العزيز بن الماجشون المدينة .
يحكي الإجماع عمن لقيه أنهم لم يختلفوا في تقديم ومالك أبي بكر . وعمر وابن جريج وابن عيينة وسعد [65] بن سالم ومسلم بن خالد [66] ، وغيرهم من علماء مكة ، ، وأبي حنيفة ، والثوري وشريك بن عبد الله ، وغيرهم من فقهاء وابن أبي ليلى الكوفة ، وهي دار الشيعة ، حتى كان الثوري [67] يقول : من قدم على عليا ما أرى أن يصعد له إلى الله عمل . رواه أبي بكر في سننه أبو داود [68] .
وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ، وأمثالهم من علماء وسعيد بن أبي عروبة البصرة ، ، والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ، وغيرهم من علماء الشام ، [ ص: 288 ] ، والليث وعمرو بن الحارث [69] . وابن وهب ، وغيرهم من علماء مصر ، ثم مثل ، عبد الله بن المبارك ، ووكيع بن الجراح ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأبي يوسف ، ومثل ومحمد بن الحسن ، الشافعي ، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم ، ، ومثل وأبي عبيد ، البخاري ، وأبي داود ، ومثل وإبراهيم الحربي الفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ، ومعروف الكرخي والسري السقطي والجنيد ، ومن لا يحصي عدده إلا الله ، ممن له في الإسلام لسان صدق ، كلهم يجزمون بتقديم وسهل بن عبد الله التستري أبي بكر ، كما يجزمون بإمامتهما ، مع فرط اجتهادهم في متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وموالاته . فهل يوجب هذا إلا ما علموه من تقديمه هو وعمر لأبي بكر ، وتفضيله لهما بالمحبة والثناء والمشاورة وغير ذلك من أسباب التفضيل . وعمر