الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله : " إنه رد عمر إلى قضايا كثيرة قال فيها : لولا علي لهلك عمر " .

                  فيقال : هذا لا يعرف أن عمر قاله إلا في قضية واحدة ، إن صح ذلك ، وكان عمر يقول مثل هذا لمن هو دون علي .

                  قال للمرأة التي عارضته في الصداق : رجل أخطأ وامرأة أصابت . وكان قد رأى أن الصداق ينبغي أن يكون مقدرا بالشرع ، فلا يزاد على صداق أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته ، كما رأى كثير من الفقهاء أن أقله مقدر بنصاب السرقة . وإذا كان مقدرا بالشرع . والفاضل قد بذله الزوج واستوفى عوضه [1] ، والمرأة لا تستحقه ، فيجعل في بيت المال ، كما يجعل في بيت المال ثمن [2] عصير الخمر إذا باعه المسلم ، [ ص: 63 ] وأجرة من أجر نفسه لحمل الخمر ، ونحو ذلك ، على أظهر أقوال العلماء .

                  فإن من استوفى منفعة محرمة بعوضها ، كالذي يزني بالمرأة بالجعل ، أو يستمع الملاهي بالجعل ، أو يشرب الخمر بالجعل ، إن أعيد إليه جعله بعد قضاء غرضه ، فهذا زيادة في إعانته على المعصية ، فإن كان يطلبها بالعوض ، فإذا حصلت له هي والعوض كان ذلك أبلغ في إعانته على الإثم والعدوان ، وإن أعطي ذلك للبائع والمؤجر كان قد أبيح له العوض الخبيث ، فصار مصروف [3] هذا المال في مصالح المسلمين .

                  وعمر إمام عدل ، فكان قد رأى أن الزائد على المهر الشرعي يكون هكذا ، فعارضته امرأة وقالت : لم تمنعنا شيئا أعطانا الله إياه في كتابه ؟ فقال : وأين في كتاب الله ؟ فقالت : في قوله تعالى : ( وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) [ سورة النساء : 20 ] ، وروي أنها قالت له : أمنك نسمع أم من كتاب الله تعالى ؟ قال : بل من كتاب الله . فقرأت عليه الآية ; فقال : رجل أخطأ وامرأة أصابت [4] .

                  [ ص: 64 ] ومع هذا فقد أخبر النبي [5] - صلى الله عليه وسلم - [ في حق عمر ] [6] من العلم والدين والإلهام ، بما لم يخبر بمثله ، لا في حق عثمان ، ولا علي ، ولا طلحة ، ولا الزبير [7] .

                  وفي الترمذي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " [8] .

                  قال [9] : وقال ابن عمر : ما نزل بالناس أمر قط ، فقالوا فيه ، وقال عمر فيه ، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر .

                  وفي سنن أبي داود عن أبي ذر قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به " [10] .

                  وفي الترمذي عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لو كان بعدي نبي لكان عمر " [11] .

                  وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس [12] محدثون من غير أن [ ص: 65 ] يكونوا أنبياء ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر " [13] . قال ابن وهب : تفسير محدثون : ملهمون . وقال ابن عيينة : محدثون : أي مفهمون .

                  وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص ، فمنها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره " . قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : " الدين " [14] .

                  وفي الصحيحين عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه ، حتى إني لأرى [15] الري يخرج من تحت أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب " . ( * قال من حوله : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " العلم " [16] .

                  وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : " يا ابن الخطاب * ) [17] ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " [18] .

                  وفي الصحيحين عن أنس أن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث : [ ص: 66 ] قلت : لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ; فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ سورة البقرة : 125 ] . وقلت : يا رسول الله : يدخل على نسائك البر والفاجر ، فلو أمرتهن يحتجبن ; فنزلت آية الحجاب . واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة ، فقلت : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) [ سورة التحريم : 5 ] ; فنزلت كذلك " [19] .

                  وهذا الباب في فضائل عمر كثير جدا .

                  وأما قصة الحكومة في الأرغفة [20] ، فهي مما يحكم فيها - وما هو أدق منها - من هو [21] دون علي . وللفقهاء في تفاريع مسائل القضاء والقسمة وغير ذلك من الدقائق ما هو أبلغ من هذه ، وليسوا مثل علي .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية