[ ص: 91 ] ( فصل )
وأما قوله : " ما انهزم قط " .
فهو في ذلك كأبي بكر وعمر ، وطلحة والزبير ، وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - فالقول في أنه ما انهزم ، كالقول في أن هؤلاء ما انهزموا قط . ولم يعرف لأحد [1] من هؤلاء هزيمة ، وإن كان قد وقع شيء في الباطن ولم ينقل ، فيمكن أن عليا وقع منه ما لم ينقل .
والمسلمون كانت لهم هزيمتان : يوم أحد ، ويوم حنين . ولم ينقل أن أحدا من هؤلاء انهزم ، بل المذكور في السير والمغازي أن أبا بكر وعمر ثبتا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ويوم حنين ، ولم ينهزما مع من انهزم . ومن نقل أنهما انهزما يوم حنين فكذبه معلوم . وإنما الذي انهزم يوم أحد عثمان ، وقد عفا الله عنه . وما نقل من انهزام أبي بكر وعمر بالراية يوم حنين فمن الأكاذيب المختلقة التي افتراها المفترون .
وقوله : " ما ضرب بسيفه إلا قط " .
فهذا لا يعلم ثبوته ولا انتفاؤه ، وليس معنا في ذلك نقل يعتمد عليه . ولو قال قائل في خالد والزبير ، والبراء بن مالك وأبي دجانة ، وأبي طلحة ونحوهم : إنه ما ضرب بسيفه إلا قط ، كان القول في ذلك كالقول في علي ، بل صدق هذا في مثل خالد والبراء بن مالك أولى .
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " خالد سيف من سيوف الله سله الله على المشركين " [2] . فإذا قيل فيمن جعله الله من سيوفه : إنه ما [ ص: 92 ] ضرب إلا قط [3] ، كان أقرب إلى الصدق، مع كثرة ما علم من قتل خالد في الحروب ، وأنه لم يزل منصورا .
وأما قوله : " وطالما كشف الكروب عن وجه النبي - صلى الله عليه وسلم " .
فهذا كذب بين ، من جنس أكاذيب الطرقية ; فإنه لا يعرف أن عليا كشف كربة عن وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - قط ، بل ولا يعرف ذلك عن أبي بكر وعمر ، وهما كانا أكثر جهادا منه ، بل هو - صلى الله عليه وسلم - الذي طالما كشف عن وجوههم الكرب .
لكن أبو بكر دفع عنه لما أراد المشركون أن يضربوه ويقتلوه بمكة ، جعل يقول : " أتقتلون رجلا أن يقول : ربي الله " ، حتى ضربوا أبا بكر ، ولم يعرف أن عليا فعل مثل هذا .
وأما كون المشركين أحاطوا به حتى خلصه أبو بكر أو علي بسيفه ، فهذا لم ينقله أحد من أهل العلم ، ولا حقيقة له ، لكن هذا الرافضي - وأمثاله - كأنهم قد طالعوا [4] السير والمغازي التي وضعها الكذابون والطرقية ، مثل كتاب " تنقلات الأنوار " للبكري الكذاب وأمثاله ، مما هو من جنس ما يذكر في سيرة البطال ودلهمة والعيار وأحمد الدنف والزيبق المصري ، والحكايات التي يحكونها عن هارون ووزيره مع العامة ، والسيرة الطويلة التي وضعت لعنترة بن شداد .
وقد وضع الكذابون في مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو [ ص: 93 ] من هذا الجنس ، وهذا يصدقه الجهال ومن لم يكن عارفا بما ذكره العلماء من الأخبار الصحيحة في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما أهل العلم فيعلمون أن هذا كذب .
وما ذكره من مبيته على فراشه ، فقد قدمنا أنه لم يكن هناك خوف على علي أصلا ، وأشهر ما نقل من ذلك ذب المؤمنين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ، لما ولى أكثر المسلمين مدبرين ، فطمع العدو في النبي - صلى الله عليه وسلم - وحرصوا على قتله ، وطلب أمية بن خلف قتله [5] ، فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده ، وشج المشركون جبينه ، وهشموا البيضة على رأسه ، وكسروا رباعيته . وذب عنه الصحابة الذين حوله ، كسعد بن أبي وقاص جعل يرمي والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له [6] : " ارم فداك أبي وأمي " [7] .
ووقاه طلحة بيده ، فشلت يد طلحة [8] ، وقتل حوله جماعة من خيار المسلمين .
[ ص: 94 ] وفي الحديث أن عليا لما أمر فاطمة بغسل سيفه يوم أحد ، قال : اغسليه غير ذميم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان " وعد جماعة من الصحابة [9] .


