الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل ) [1]

                  قال الرافضي  [2] : " وفي غزاة بني النضير قتل علي رامي ثنية [3] النبي - صلى الله عليه وسلم - [4] وقتل بعده عشرة ، وانهزم الباقون " .

                  والجواب : أن يقال : ما تذكره في هذه الغزاة وغيرها من الغزوات من المنقولات لا بد من ذكر إسناده أولا ، وإلا فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا يعرف إسناده في جزرة بقل لم يقبل منه [5] ، فكيف يحتج به في مسائل الأصول ؟ ! [ ص: 111 ] ثم يقال : ثانيا : هذا من الكذب الواضح ; فإن بني النضير هم الذين أنزل الله فيهم سورة الحشر باتفاق الناس ، وكانوا من اليهود ، وكانت قصتهم قبل الخندق وأحد ، ولم يذكر فيها [6] مصاف ولا هزيمة ، ولا رمى أحد ثنية النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ، وإنما أصيبت ثنيته يوم أحد .

                  وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في غزاة بني النضير ، قد [7] حاصروهم حصارا شديدا ، وقطعوا نخيلهم .

                  وفيهم أنزل الله تعالى : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) [ سورة الحشر : 5 ] .

                  ولم يخرجوا لقتال حتى ينهزم أحد منهم ، وإنما كانوا في حصن يقاتلون من ورائه . كما قال تعالى : ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) [ سورة الحشر : 14 ] .

                  ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجلاهم إجلاء لم يقتلهم فيه . قال تعالى [8] : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) [ سورة الحشر : 2 ] إلى قوله تعالى : ( فاعتبروا ياأولي الأبصار ) [ سورة الحشر : 2 ] .

                  [ ص: 112 ] قال ابن إسحاق بعد أن ذكر نقضهم العهد ، وأنهم أرادوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إليهم يستعين بهم في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية ، قال [9] : " فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسير إليهم وبالتهيؤ لحربهم [10] واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما ذكر ابن هشام [11] . ونزل تحريم الخمر [12] " .

                  قال ابن إسحاق : " فتحصنوا في الحصون ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع النخيل والتحريق فيها ، فنادوه : أي محمد [13] قد كنت تنهى عن الفساد ، وتعيبه على من صنعه ، فما بال قطع النخيل وتحريقها ؟ ! " .

                  قال [14] : " وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج قد بعثوا [15] إلى بني النضير : أن اثبتوا وتمنعوا ; فإنا لن نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن خرجتم خرجنا معكم . فتربصوا ذلك من نصرهم [16] ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، وسألوا رسول الله [17] - صلى الله عليه وسلم - أن [ ص: 113 ] يجليهم [18] ويكف عن دمائهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة [19] ، ففعل ، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل ، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه [20] ، فيضعه على ظهر بعيره ، فينطلق به . فخرجوا إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام " .

                  قال [21] : " وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه [22] حدث : أنهم استقلوا بالنساء والأموال والأبناء [23] ، معهم الدفوف والمزامير ، والقينات [24] يعزفن خلفهم بزهو وفخر [25] ما رئي مثله من حي من الناس [26] . وخلوا الأموال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، يضعها حيث يشاء ، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين [27] المهاجرين الأولين دون الأنصار ، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة [28] ذكرا فاقة وفقرا ، فأعطاهما النبي - صلى الله عليه وسلم " [29] .

                  [ ص: 114 ] قال [30] : " وأنزل الله تعالى في بني النضير سورة [31] \ 8 الحشر بأسرها ، يذكر فيها ما أصابهم من نقمة [32] . ، وما سلط به رسوله عليهم [33] . ، وما عمل فيهم [34] . " .

                  وفي الصحيحين عن ابن عمر أن يهود بني النضير و [ بني ] قريظة [35] . حاربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلى بني النضير ، وأقر قريظة ومن عليهم ، حتى حاربت قريظة بعد ذلك ، فقتل رجالهم ، وسبى نساءهم وأولادهم وأموالهم ، وقسم أنفالهم بين المسلمين ، إلا بعضهم لحقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمنهم وأسلموا ، وأجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهودالمدينة كلهم : بني قينقاع ، وهم قوم عبد الله بن سلام ، ويهود بني حارثة ، وكل يهودي كان بالمدينة [36] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية