الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل )

                  قال الرافضي  [1] : " وفي غزوة خيبر [2] . كان الفتح فيها على يد أمير المؤمنين ، ودفع الراية [3] . إلى أبي بكر فانهزم ، ثم إلى عمر فانهزم ، ثم إلى علي وكان أرمد [4] . ، فتفل في عينيه [5] . ، وخرج فقتل مرحبا ، فانهزم الباقون ، وغلقوا عليهم الباب ، فعالجه أمير المؤمنين فقلعه ، وجعله [6] . جسرا على الخندق ، وكان الباب يغلقه عشرون رجلا ، ودخل المسلمون الحصن ونالوا الغنائم ، وقال - عليه السلام : والله ما قلعه بقوة خمسمائة رجل ولكن بقوة [ ص: 123 ] ربانية [7] . ، وكان فتح مكة بواسطته " .

                  والجواب : بعد أن يقال : لعنة الله على الكاذبين [8] . ، أن يقال : من ذكر هذا من علماء النقل ؟ وأين إسناده وصحته ؟ وهو من الكذب ; فإن خيبر لم تفتح كلها في يوم واحد ، بل كانت حصونا متفرقة ، بعضها فتح عنوة ، وبعضها فتح صلحا ، ثم كتموا ما صالحهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فصاروا محاربين ، ولم ينهزم فيها أبو بكر ولا عمر .

                  وقد روي أن عليا اقتلع باب الحصن ، وأما جعله جسرا فلا .

                  وقوله : " كان فتح مكة بواسطته " .

                  من الكذب أيضا ; فإن عليا ليس له في فتح مكة أثر أصلا ، إلا كما لغيره ممن شهد الفتح .

                  والأحاديث الكثيرة المشهورة في غزوة الفتح تتضمن هذا . وقد عزم علي على قتل حموين لأخته أجارتهما أخته أم هانئ ، فأجار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجارت . وقد هم بتزوج [9] . بنت أبي جهل ، حتى غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - فتركه .

                  وفي الصحيحين [10] . عن أبي هريرة قال [11] : كنا يوم الفتح مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليسرى ، [ ص: 124 ] وجعل الزبير على المجنبة اليمنى [12] . ، وجعل أبا عبيدة على البياذقة [13] " . وبطن الوادي . فقال : " يا أبا هريرة ادع لي الأنصار " ، فجاءوا [14] يهرولون ، فقال : " يا معشر الأنصار : هل ترون أوباش قريش ؟ " قالوا : نعم . قال : " انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا " وأحفى [15] " . بيده ، ووضع يمينه على شماله ، وقال : " موعدكم الصفا " فما أشرف يومئذ [ لهم ] [16] . أحد إلا أناموه [17] " . . قال : فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصفا ، وجاءت الأنصار ، فأطافوا بالصفا ، فجاء أبو سفيان فقال : يا رسول الله : أبيدت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن " .

                  وفي الصحيحين [18] . من حديث عروة بن الزبير قال : " لما سار رسول [ ص: 125 ] الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح ، فبلغ ذلك قريشا ، خرج أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران ، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة ، فقال أبو سفيان : ما هذه ، لكأنها [19] نيران عرفة ؟ فقال بديل بن ورقاء : نيران بني عمرو . فقال أبو سفيان : عمرو أقل من ذلك . فرآهم ناس من حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدركوهم ، فأخذوهم ، فأتوا بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم أبو سفيان . فلما سار قال للعباس : " أمسك [20] . أبا سفيان عند خطم الجبل [21] . حتى ينظر إلى المسلمين " فحبسه العباس ، فجعلت القبائل تمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كتيبة كتيبة [22] . على أبي سفيان ، فمرت كتيبة ، فقال : يا عباس من هذه ؟ قال : [ هذه ] [23] . غفار . قال : مالي ولغفار ؟ ثم مرت جهينة ، فقال مثل ذلك [24] . ثم مرت سعد بن هذيم ، فقال [ ص: 126 ] مثل ذلك . ثم مرت سليم ، فقال مثل ذلك ، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها . قال : من هؤلاء ؟ قال : الأنصار [25] عليهم سعد بن عبادة ، معه الراية . فقال سعد بن عبادة : يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة ، فقال أبو سفيان : يا عباس حبذا [26] يوم الذمار [27] . ، ثم جاءت كتيبة ، وهي أقل الكتائب ، فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وراية النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الزبير ، فلما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان قال : ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة ؟ قال : " وما قال " ؟ قال : قال كذا وكذا . فقال : " كذب سعد ، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة [28] ويوم تكسى فيه الكعبة " ثم أمر أن تركز رايته بالحجون .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية