الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل )

                  قال الرافضي [1] : " العاشر : ما رواه أهل السير : أن الماء زاد بالكوفة  [2] ، وخافوا الغرق ، ففزعوا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [3] ، فركب بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج الناس معه ، فنزل على شاطئ الفرات [ فصلى ] [4] ، ثم دعا وضرب صفحة [5] الماء بقضيب كان في يده [6] ، فغاص الماء ، [ ص: 199 ] فسلم عليه كثير [7] من الحيتان ، ولم ينطق الجري ولا المرماهي [8] ، فسئل عن ذلك ، فقال : أنطق الله ما طهره من السمك ، وأسكت ما أنجسه وأبعده " [9] .

                  والجواب من وجوه : أحدها : [ المطالبة ] بأن يقال [10] : أين إسناد هذه الحكاية الذي [11] يدل على صحتها وثبوتها ؟ وإلا فمجرد الحكايات المرسلة بلا إسناد يقدر عليه كل أحد ، لكن لا يفيد شيئا .

                  الثاني : أن بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عنده .

                  الثالث : أن هذا لم ينقله أحد من أهل الكتب المعتمد عليهم . ومثل هذه القصة لو كانت صحيحة لكانت مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها . وهذا الناقل لم يذكر لها إسنادا ، فكيف يقبل ذلك بمجرد حكاية لا إسناد لها ؟ !

                  الرابع : أن السمك كله مباح ، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في البحر : " هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته " [12] .

                  [ ص: 200 ] وقد قال تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) [ سورة المائدة : 96 ] .

                  وقد أجمع [ سلف ] [13] الأمة وأئمتها على حل السمك كله . وعلي مع سائر الصحابة يحلون هذه الأنواع ، فكيف يقولون : إن الله أنجسه ؟ !

                  ولكن الرافضة جهال يحرمون ما أحل الله بمثل هذه الحكاية المكذوبة .

                  الخامس : أن يقال : نطق السمك ليس مقدورا له في العادة ، ولكن هو من خوارق العادات . فالله تعالى هو الذي أنطق ما أنطق منها ، وأسكت ما أسكته ، إن كان قد وقع ، فأي ذنب لمن أسكته الله ، حتى يقال : هو نجس ؟ !

                  ومن جعل للعجماء ذنبا بأن الله لم ينطقها كان ظالما لها .

                  وإن قال قائل : بل الله أقدرها على ذلك ، فامتنعت منه [14] .

                  فيقال : إقداره لها على ذلك - لو وقع - إنما كان كرامة لعلي - رضي الله عنه - والكرامة إنما تحصل بالنطق بالسلام عليه ، لا بمجرد القدرة عليه مع الامتناع منه ، فإذا لم يسلم عليه ، لم يكن في إقدارها مع - امتناعها - كرامة له ، بل فيه تحريم الطيبات على الناس ، فإن لحمها طيب [15] ، وذلك من باب العقوبات .

                  كما قال تعالى : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ) [ سورة النساء : 160 ] .

                  [ ص: 201 ] وقد قيل : إن تحريم ذلك كان من أخلاق اليهود ، وما هو من إخوانهم الرافضة ببعيد .

                  السادس : أن يقال : المقصود هنا كان حاصلا بنضوب الماء ، فأما تسليم السمك فلم يكن إليه حاجة ، ولا كان هناك سبب يقتضي خرق العادة لتقوية الإيمان ; فإن ذلك يكون حجة وحاجة ، ولم يكن هناك حجة ولا حاجة .

                  ألا ترى أن انفلاق البحر لموسى كان أعظم من نضوب الماء ، ولم يسلم السمك على موسى . ولما ذهب موسى [16] إلى الخضر وكان معه حوت مالح في مكتل ، فأحياه الله حتى انساب ونزل في الماء ، وصار البحر عليه سربا ، ولم يسلم على موسى ولا على يوشع . والبحر دائما يجزر ويمد ، ولم يعرف أن السمك سلم على أحد من الصحابة والتابعين وغيرهم .

                  وعلي أجل قدرا من أن يحتاج إلى إثبات فضائله بمثل هذه الحكايات ، التي تعلم العقلاء أنها من المكذوبات  [17] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية