[ ص: 247 ] باب
قال [1] الرافضي [2] : " الفصل الرابع في إمامة باقي الأئمة الاثني عشر [3] . لنا في ذلك طرق : أحدها : النص . وقد توارثته الشيعة [4] في البلاد المتباعدة ، خلفا عن سلف ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للحسين [5] : " هذا إمام [6] ابن إمام أخو إمام ، أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم ، اسمه كاسمي [7] ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت جورا وظلما " .
والجواب من وجوه : أحدها : أن يقال : أولا : هذا كذب على الشيعة ; فإن هذا لا ينقله إلا طائفة [8] من طوائف الشيعة ، وسائر طوائف الشيعة تكذب هذا . والزيدية بأسرها تكذب هذا [9] ، وهم أعقل الشيعة وأعلمهم وخيارهم . والإسماعيلية كلهم يكذبون بهذا ، وسائر فرق الشيعة تكذب بهذا ، إلا الاثني عشرية ، وهم فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة .
[ ص: 248 ] وبالجملة فالشيعة فرق متعددة جدا ، وفرقهم الكبار أكثر من عشرين فرقة ، كلهم تكذب هذا [10] إلا فرقة واحدة ، فأين تواتر الشيعة ؟ !
الثاني : أن يقال : هذا معارض بما نقله غير الاثني عشرية من الشيعة من نص آخر يناقض هذا ، كالقائلين بإمامة غير الاثني عشر ، وبما نقله الراوندية أيضا ; فإن كلا من هؤلاء يدعي من النص [ غير ] [11] ما تدعيه الاثنا عشرية .
الثالث : أن يقال : علماء الشيعة المتقدمون ليس فيهم من نقل هذا النص ، ولا ذكره في كتاب ، ولا احتج به في خطاب . وأخبارهم مشهورة متواترة ; فعلم أن هذا من اختلاق المتأخرين ، وإنما اختلق [12] هذا لما مات الحسن بن علي العسكري ، وقيل : إن ابنه محمدا غائب ، فحينئذ ظهر هذا النص ، بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من مائتين وخمسين سنة .
الرابع : أن يقال : أهل السنة وعلماؤهم أضعاف أضعاف الشيعة ، كلهم يعلمون أن هذا كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علما يقينا لا يخالطه الريب ، ويباهلونالشيعة على ذلك ، كعوام الشيعة مع . فإن ادعى علماء علي الشيعة أنهم يعلمون تواتر هذا ، لم يكن هذا أقرب من دعوى علماء السنة بكذب هذا .
[ ص: 249 ] الخامس : أن يقال : إن من شروط التواتر حصول من يقع به العلم من الطرفين والوسط . وقبل موت الحسن بن علي العسكري لم يكن أحد يقول بإمامة هذا المنتظر ، ولا عرف من زمن علي ودولة بني أمية أحد ادعى إمامة [13] الاثني عشر ، وهذا القائم . وإنما كان المدعون يدعون النص على علي ، أو على ناس بعده وأما دعوى النص على الاثني عشر وهذا القائم فلا يعرف أحد قاله متقدما ، فضلا عن أن يكون نقله متقدما .
السادس : أن الصحابة لم يكن فيهم أحد رافضي أصلا ، وإن ادعى مدع على عدد قليل منهم أنهم كانوا رافضة فقد كذب عليهم . ومع هذا فأولئك لا يثبت بهم التواتر ; لأن العدد القليل المتفقين على مذهب يمكن عليهم التواطؤ على الكذب . والرافضة تجوز الكذب على جمهور الصحابة [14] ، فكيف لا يجوز على من نقل هذا النص - مع قلتهم - إن كان نقله أحد منهم ؟ وإذا لم يكن في الصحابة من تواتر به هذا النقل انقطع التواتر من أوله .
السابع : أن الرافضة يقولون : إن الصحابة ارتدوا عن الإسلام بجحد النص إلا عددا قليلا [15] نحو العشرة ، أو أقل أو أكثر ، مثل عمار ، وسلمان ، وأبي ذر ، والمقداد . ومعلوم أن أولئك الجمهور لم ينقلوا هذا النص ، فإنهم قد كتموه - عندهم - فلا يمكنهم أن يضيفوا نقله إلى هذه [ ص: 250 ] الطائفة . وهؤلاء كانوا - عندهم - مجتمعين على موالاة علي ، متواطئين على ذلك .
وحينئذ فالطائفة القليلة التي يمكن تواطؤها على النقل لا يحصل بنقلها [16] تواتر ; لجواز اجتماعهم على الكذب . فإذا كانت الرافضة تجوز على جماهير الصحابة - مع كثرتهم - الارتداد عن الإسلام ، وكتمان ما يتعذر في العادة التواطؤ على كتمانه ، فلأن يجوز على قليل منهم تعمد الكذب [17] بطريق الأولى والأحرى .
وهم يصرحون بكذب الصحابة إذا نقلوا ما يخالف هواهم [18] ، فكيف يمكنهم مع ذلك تصديقهم في مثل هذا ، إذا كان الناقلون [ له ] [19] ممن له هوى ؟
ومعلوم أن شيعة علي لهم هوى في نصره ، فكيف يصدقون في نقل النص عليه ، هذا مع أن العقلاء وأهل العلم بالنقل يعلمون أنه الشيعة ، بخلاف غيرهم ; فإن ليس في فرق المسلمين أكثر تعمدا للكذب وتكذيبا للحق من الخوارج [20] - وإن كانوا مارقين - فهم يصدقون ، لا يتعمدون الكذب ، وكذلك المعتزلة يتدينون بالصدق ، وأما الشيعة فالكذب عليهم غالب من حين ظهروا .
[ ص: 251 ] الوجه الثامن : أن يقال : الشيعة الإمامية المدعية للنص في أواخر أيام الخلفاء الراشدين . وافترى ذلك عبد الله بن سبأ وطائفته الكذابون ، فلم يكونوا موجودين قبل ذلك . فأي تواتر لهم ؟ ! قد علم أهل العلم أن أول ما ظهرت
التاسع : أن الأحاديث التي نقلها الصحابة في فضائل أبي بكر وعمر أعظم تواترا عند العامة والخاصة من نقل هذا النص . فإن جاز أن يقدح في نقل جماهير الصحابة لتلك الفضائل ; فالقدح في هذا أولى . وإن كان القدح في هذا متعذرا ; ففي تلك أولى . وإذا ثبتت فضائل الصحابة التي دلت عليها تلك النصوص الكثيرة المتواترة ، امتنع اتفاقهم على مخالفة هذا النص ، فإن مخالفته - لو كان حقا - من أعظم الإثم والعدوان . وعثمان
العاشر : أنه ليس أحد من الإمامية ينقل هذا النص بإسناد متصل ، فضلا عن أن يكون متواترا . وهذه الألفاظ ( * تحتاج إلى تكرير ، فإن لم يدرس ناقلوها عليها لم يحفظوها ، وأين العدد الكبير [21] الذين حفظوا هذه الألفاظ * ) [22] كحفظ ألفاظ القرآن ، وحفظ التشهد والأذان ، جيلا بعد جيل إلى الرسول ؟
ونحن إذا ادعينا التواتر في فضائل الصحابة : ندعي تارة التواتر من جهة المعنى ، كتواتر خلافة الخلفاء الأربعة ، ووقعة الجمل وصفين ، [ ص: 252 ] وتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعائشة وعلي ، ونحو ذلك مما لا يحتاج فيه إلى نقل لفظ معين يحتاج إلى درس ، وكتواتر ما للصحابة من السابقة والأعمال وغير ذلك . وتارة التواتر في نقل ألفاظ حفظها من يحصل العلم بنقله . بفاطمة
الوجه الحادي عشر : أن المنقول بالنقل المتواتر عن أهل البيت [23] يكذب مثل هذا النقل ، وأنهم لم يكونوا يدعون أنهم [24] منصوص عليهم ، بل يكذبون من يقول ذلك ، فضلا عن أن يثبتوا النص على اثني عشر .
الوجه الثاني عشر : أن الذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدد الاثني عشر مما أخرجاه في الصحيحين عن ، قال : جابر بن سمرة قريش " ، وفي لفظ : " دخلت مع أبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول : " لا يزال أمر الناس ماضيا ولهم اثنا عشر رجلا " ، ثم تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلمة خفيت عني ، فسألت أبي : ماذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قال : " كلهم من [25] عزيزا إلى اثني عشر خليفة " ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، قلت لأبي : ما قال ؟ قال : " كلهم من قريش " . وفي لفظ : " لا يزال الإسلام " لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة [26] .
[ ص: 253 ] والذي في التوراة يصدق هذا . وهذا النص لا يجوز أن يراد به هؤلاء الاثنا عشر ; لأنه قال : " " ، و " لا يزال الإسلام عزيزا " و " لا يزال هذا الأمر عزيزا " وهذا يدل على أنه يكون أمر الإسلام قائما في زمان ولايتهم ، ولا يكون قائما إذا انقطعت ولايتهم . وعند [ هؤلاء ] لا يزال أمر الناس ماضيا [27] الاثني عشرية لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء الاثني عشر ، بل مازال أمر الأمة فاسدا منتقضا [28] يتولى عليهم الظالمون المعتدون ، بل المنافقون الكافرون ، وأهل الحق أذل من اليهود .
وأيضا فإن عندهم ولاية المنتظر دائمة إلى آخر الدهر ، وحينئذ فلا يبقى زمان يخلو عندهم من الاثني عشر . وإذا كان كذلك لم يبق الزمان نوعين : نوع يقوم فيه أمر الأمة [29] ، ونوع لا يقوم ، بل هو قائم في الأزمان كلها ، وهو خلاف الحديث الصحيح .
وأيضا فالأمر الذي لا يقوم بعد ذلك إلا إذا قام المهدي : إما المهدي الذي يقر به أهل السنة ، وإما مهدي الرافضة ، ومدته قليلة لا ينتظم فيها أمر الأمة [30] .
وأيضا فإنه قال في الحديث : " قريش " ولو كانوا مختصين كلهم من وأولاده لذكر ما يميزون به . ألا ترى أنه لم يقل : كلهم من ولد [ ص: 254 ] بعلي إسماعيل ، ولا من العرب ، وإن كانوا كذلك ; لأنه قصد القبيلة التي يمتازون بها ، فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم ، أو من قبيل علي مع لذكروا بذلك ، فلما جعلهم من علي قريش مطلقا علم أنهم من قريش ، بل لا يختصون بقبيلة ، بل بنو تيم [31] ، وبنو عدي ، وبنو عبد شمس ، وبنو هاشم ، فإن الخلفاء الراشدين كانوا من هذه القبائل .