الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " وأيضا كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ ، فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع ؟ " .

                  والجواب : أن يقال : من المعلوم أن الإجماع إذا حصل [ حصل له ] من الصفات ما ليس للآحاد [2] ، لم يجز أن يجعل حكم الواحد الاجتماع ، فإن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط والكذب ، فإذا انتهى المخبرون إلى حد التواتر امتنع عليهم الكذب والغلط .

                  وكل واحد من اللقم والجرع والأقداح لا يشبع ولا يروي ولا يسكر ؛ فإذا اجتمع من ذلك عدد كثير أشبع وأروى وأسكر ، وكل واحد من الناس لا يقدر على قتال العدو فإذا اجتمع طائفة كثيرة قدروا على القتال ؛ فالكثرة [3] تؤثر في زيادة القوة وزيادة العلم وغيرهما ؛ ولهذا قد يخطئ [ ص: 358 ] الواحد والاثنان في مسائل الحساب ؛ فإذا كثر العدد امتنع ذلك فيما لم يكن يمتنع في حال الانفراد . ونحن نعلم بالاضطرار أن علم الاثنين أكثر من علم أحدهما إذا انفرد وقوتهما أكثر من قوته ؛ فلا يلزم من وقوع الخطأ حال الانفراد وقوعه حال الكثرة .

                  قال تعالى : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) [ سورة البقرة : 282 ] .

                  والناس في الحساب قد يخطئ الواحد منهم ولا تخطئ الجماعة كالهلال فقد يظنه الواحد هلالا وليس كذلك ؛ فأما العدد الكثير فلا يتصور فيهم الغلط .

                  ونعلم أن المسلمين إذا اجتمعوا وكثروا يكون داعيهم إلى الفواحش والظلم أقل من داعيهم إذا كانوا قليلا فإنهم في حال الاجتماع لا يجتمعون على مخالفة شرائع الإسلام كما يفعله الواحد والاثنان ؛ فإن الاجتماع والتمدن لا يمكن إلا مع قانون عدلي فلا يمكن أهل مدينة أن يجتمعوا على إباحة ظلم بعضهم بعضا مطلقا ; لأنه لا حياة لهم مع ذلك ، بل نجد الأمير إذا ظلم بعض الرعية فلا بد أن يكون بعض أصحابه لا يظلم حين يظلم الرعية ، وما استووا كلهم [ فيه ] [4] فليس فيه ظلم من بعضهم لبعض ومعلوم أن المجموع قد خالف حكمه حكم الأفراد سواء كان اجتماع أعيان أو أعراض .

                  ومن الأمثال التي يضربها المطاع لأصحابه : أن السهم الواحد [5] [ ص: 359 ] يمكن كسره ، وإذا اجتمعت السهام لم [6] يمكن كسرها والإنسان قد يغلبه عدوه ويهزمه ، فإذا صاروا عددا كثيرا لم يمكن ذلك ، كما كان يمكنه حال الانفراد .

                  وأيضا فإن كان الإجماع قد يكون خطأ ؛ لم يثبت أن عليا معصوم فإنه إنما علمت عصمته بالإجماع على أنه لا معصوم سواه ؛ فإذا جاز كون الإجماع أخطأ [7] أمكن أن يكون في الأمة معصوم غيره وحينئذ فلا يعلم أنه هو المعصوم .

                  فتبين أن قدحهم في الإجماع يبطل الأصل الذي اعتمدوا عليه في إمامة المعصوم وإذا بطل أنه معصوم بطل أصل مذهب الرافضة  ؛ فتبين أنهم إن قدحوا في الإجماع بطل أصل مذهبهم وإن سلموا أنه حجة بطل مذهبهم فتبين بطلان مذهبهم [8] على التقديرين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية