فصل .
قال الرافضي [1] : " الثالث ما ورد فيه من الفضائل كآية [2] [ ص: 365 ] الغار وقوله تعالى : ( وسيجنبها الأتقى ) [ سورة الليل : 17 ] ، وقوله : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) [ سورة الفتح : 16 ] والداعي هو أبو بكر : وكان أنيس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العريش يوم بدر ، وأنفق على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتقدم في الصلاة " .
قال [3] : " والجواب أنه لا فضيلة له في الغار لجواز أن يستصحبه حذرا منه لئلا يظهر أمره .
وأيضا فإن الآية تدل على نقيضه [4] لقوله : ( لا تحزن ) فإنه يدل على خوره [5] وقلة صبره [6] ، وعدم يقينه بالله تعالى وعدم رضا بمساواته [7] النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقضاء الله وقدره ; ولأن الحزن إن كان طاعة استحال أن ينهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كان معصية كان ما ادعوه من الفضيلة رذيلة [8] .
وأيضا فإن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله [ ص: 366 ] شرك [9] معه المؤمنين إلا في هذا الموضع ولا نقص [10] أعظم منه .
وأما : ( وسيجنبها الأتقى ) ، فإن [11] المراد أبو الدحداح ، حيث اشترى نخلة شخص لأجل جاره ، وقد عرض [12] النبي - صلى الله عليه وسلم - على صاحب النخلة نخلة في الجنة ، فأبى فسمع أبو الدحداح فاشتراها ببستان له ووهبها الجار [13] ؛ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عوضها له بستانا في الجنة [14] .
وأما قوله تعالى : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد [ سورة الفتح : 16 ] [15] ، [ يريد سندعوكم إلى قوم ] [16] ، فإنه أراد الذين تخلفوا عن الحديبية . والتمس هؤلاء أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى بقوله : [ ص: 367 ] ( قل لن تتبعونا ) [ سورة الفتح : 15 ] لأنه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ، ثم قال : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون ) [ سورة الفتح : 16 ] يريد سندعوكم [17] فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد ، وقد دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوات كثيرة [18] : كمؤتة وحنين ، وتبوك ، وغيرهما ؛ فكان [19] الداعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأيضا جاز أن يكون [ علي ] هو الداعي [20] ، حيث قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ؛ وكان رجوعهم إلى طاعته [ إسلاما ] [21] لقوله عليه الصلاة والسلام : يا علي حربك حربي ، وحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر .
وأما كونه أنيسه في العريش [22] يوم بدر فلا فضل فيه ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أنسه بالله تعالى مغنيا له عن كل أنيس ؛ لكن لما عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمره [ ص: 368 ] لأبي بكر بالقتال [23] يؤدي إلى فساد الحال حيث هرب عدة مرات [24] في غزواته . وأيما [25] أفضل : القاعد عن القتال ، أو المجاهد [26] بنفسه في [27] سبيل الله ؟ .
وأما إنفاقه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكذب ; لأنه لم يكن ذا مال ، فإن أباه كان فقيرا في الغاية ، وكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان بمد [28] كل يوم [29] يقتات به ؛ فلو كان أبو بكر غنيا لكفى أباه . وكان أبو بكر في الجاهلية معلما للصبيان وفي الإسلام كان خياطا [30] ، ولما ولي أمر المسلمين منعه الناس عن الخياطة فقال : إني محتاج إلى [31] القوت فجعلوا له كل يوم [32] ثلاثة دراهم من بيت المال [33] ، والنبي - صلى [ ص: 369 ] الله عليه وسلم - كان قبل الهجرة غنيا بمال خديجة [34] ، ولم يحتج إلى الحرب وتجهيز الجيوش . وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر البتة شيء [35] ، ثم لو أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن ، كما نزل في علي : ( هل أتى ) [ سورة الإنسان : 1 ] .
ومن المعلوم أن النبي [ - صلى الله عليه وسلم - ] أشرف من الذين [36] تصدق عليهم أمير المؤمنين ، والمال الذي يدعون إنفاقه أكثر [37] ، فحيث لم ينزل فيه قرآن ؛ دل [38] على كذب النقل .
وأما تقديمه في الصلاة [39] فخطأ ؛ لأن بلالا لما أذن بالصلاة أمرته عائشة أن يقدم أبا بكر ، ولما أفاق النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع التكبير فقال : من يصلي [40] بالناس ؟ فقالوا : أبو بكر ، [ ص: 370 ] فقال [41] : أخرجوني فخرج بين علي والعباس فنحاه [42] عن القبلة وعزله عن الصلاة [43] وتولى هو الصلاة [44] " .


