الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل .

                  قال الرافضي [1] : " الثالث ما ورد فيه من الفضائل كآية [2] [ ص: 365 ] الغار وقوله تعالى : ( وسيجنبها الأتقى ) [ سورة الليل : 17 ] ، وقوله : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ) [ سورة الفتح : 16 ] والداعي هو أبو بكر : وكان أنيس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العريش يوم بدر ، وأنفق على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتقدم في الصلاة " .

                  قال [3] : " والجواب أنه لا فضيلة له في الغار لجواز أن يستصحبه حذرا منه لئلا يظهر أمره .

                  وأيضا فإن الآية تدل على نقيضه [4] لقوله : ( لا تحزن ) فإنه يدل على خوره [5] وقلة صبره [6] ، وعدم يقينه بالله تعالى وعدم رضا بمساواته [7] النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقضاء الله وقدره ; ولأن الحزن إن كان طاعة استحال أن ينهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كان معصية كان ما ادعوه من الفضيلة رذيلة [8] .

                  وأيضا فإن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله [ ص: 366 ] شرك [9] معه المؤمنين إلا في هذا الموضع ولا نقص [10] أعظم منه .

                  وأما : ( وسيجنبها الأتقى ) ، فإن [11] المراد أبو الدحداح ، حيث اشترى نخلة شخص لأجل جاره ، وقد عرض [12] النبي - صلى الله عليه وسلم - على صاحب النخلة نخلة في الجنة ، فأبى فسمع أبو الدحداح فاشتراها ببستان له ووهبها الجار [13] ؛ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عوضها له بستانا في الجنة [14] .

                  وأما قوله تعالى : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد [ سورة الفتح : 16 ] [15] ، [ يريد سندعوكم إلى قوم ] [16] ، فإنه أراد الذين تخلفوا عن الحديبية . والتمس هؤلاء أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى بقوله : [ ص: 367 ] ( قل لن تتبعونا ) [ سورة الفتح : 15 ] لأنه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ، ثم قال : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون ) [ سورة الفتح : 16 ] يريد سندعوكم [17] فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد ، وقد دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوات كثيرة [18] : كمؤتة وحنين ، وتبوك ، وغيرهما ؛ فكان [19] الداعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                  وأيضا جاز أن يكون [ علي ] هو الداعي [20] ، حيث قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ؛ وكان رجوعهم إلى طاعته [ إسلاما ] [21] لقوله عليه الصلاة والسلام : يا علي حربك حربي ، وحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر .

                  وأما كونه أنيسه في العريش [22] يوم بدر فلا فضل فيه ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أنسه بالله تعالى مغنيا له عن كل أنيس ؛ لكن لما عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمره [ ص: 368 ] لأبي بكر بالقتال [23] يؤدي إلى فساد الحال حيث هرب عدة مرات [24] في غزواته . وأيما [25] أفضل : القاعد عن القتال ، أو المجاهد [26] بنفسه في [27] سبيل الله ؟ .

                  وأما إنفاقه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكذب ; لأنه لم يكن ذا مال ، فإن أباه كان فقيرا في الغاية ، وكان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان بمد [28] كل يوم [29] يقتات به ؛ فلو كان أبو بكر غنيا لكفى أباه . وكان أبو بكر في الجاهلية معلما للصبيان وفي الإسلام كان خياطا [30] ، ولما ولي أمر المسلمين منعه الناس عن الخياطة فقال : إني محتاج إلى [31] القوت فجعلوا له كل يوم [32] ثلاثة دراهم من بيت المال [33] ، والنبي - صلى [ ص: 369 ] الله عليه وسلم - كان قبل الهجرة غنيا بمال خديجة [34] ، ولم يحتج إلى الحرب وتجهيز الجيوش . وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر البتة شيء [35] ، ثم لو أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن ، كما نزل في علي : ( هل أتى ) [ سورة الإنسان : 1 ] .

                  ومن المعلوم أن النبي [ - صلى الله عليه وسلم - ] أشرف من الذين [36] تصدق عليهم أمير المؤمنين ، والمال الذي يدعون إنفاقه أكثر [37] ، فحيث لم ينزل فيه قرآن ؛ دل [38] على كذب النقل .

                  وأما تقديمه في الصلاة [39] فخطأ ؛ لأن بلالا لما أذن بالصلاة أمرته عائشة أن يقدم أبا بكر ، ولما أفاق النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع التكبير فقال : من يصلي [40] بالناس ؟ فقالوا : أبو بكر ، [ ص: 370 ] فقال [41] : أخرجوني فخرج بين علي والعباس فنحاه [42] عن القبلة وعزله عن الصلاة [43] وتولى هو الصلاة [44] " .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية