قال الرافضي : " فهذه حال [1] أدلة القوم [2] ، فلينظر العاقل بعين الإنصاف وليقصد اتباع الحق [3] دون اتباع الهوى ، ويترك تقليد الآباء والأجداد ؛ فقد نهى الله تعالى [ في كتابه ] [4] عن ذلك ولا تلهيه الدنيا عن إيصال الحق [ إلى ] [5] مستحقه ، ولا [ ص: 371 ] يمنع المستحق عن حقه [6] ، فهذا آخر ما أردنا [7] إثباته في هذه المقدمة [8] .
والجواب أن يقال : في هذا الكلام من الأكاذيب والبهت والفرية ما لا يعرف مثله لطائفة من طوائف المسلمين ، ولا ريب أن اليهود ؛ فإنهم قوم بهت يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون . الرافضة فيهم شبه قوي من
وظهور فضائل شيخي الإسلام : أبي بكر أظهر بكثير عند كل عاقل من فضل غيرهما ؛ فيريد هؤلاء وعمر الرافضة قلب الحقائق ، ولهم نصيب من قوله تعالى : ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه ) [ سورة الزمر : 32 ] ، ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون [ سورة يونس : 17 ] ونحو هذه الآيات .
فإن [9] القوم من أعظم الفرق تكذيبا بالحق وتصديقا بالكذب ؛ وليس في الأمة من يماثلهم في ذلك .
[ ص: 372 ] أما قوله : " لا فضيلة في الغار " .
فالجواب : أن الفضيلة في الغار ظاهرة بنص القرآن لقوله تعالى : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) [ سورة التوبة : 40 ] فأخبر الرسول [ - صلى الله عليه وسلم - ] [10] أن الله معه ومع صاحبه كما قال لموسى وهارون : ( إنني معكما أسمع وأرى ) [ سورة طه : 46 ] .
وقد أخرجا [11] في الصحيحين من حديث عن أنس - رضي الله عنه - ، قال أبي بكر الصديق ما ظنك باثنين الله ثالثهما أبا بكر " نظرت إلى إقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا فقال : " يا [12] .
وهذا الحديث مع كونه مما اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق فلم يختلف في ذلك اثنان منهم ، فهو مما دل القرآن على معناه يقول : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) [ سورة التوبة : 40 ] .
: عامة وخاصة ؛ فالعامة كقوله تعالى : [ ص: 373 ] ( والمعية في كتاب الله على وجهين هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم ) الآية [ سورة الحديد : 4 ] [13] .
وقوله : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ) [ سورة المجادلة : 7 ] .
فهذه المعية عامة لكل متناجين [14] ، وكذلك الأولى عامة لجميع الخلق .
ولما أخبر سبحانه في المعية أنه رابع الثلاثة وسادس الخمسة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " ، فإنه لما كان معهما كان ثالثهما كما دل القرآن على معنى الحديث الصحيح . وإن كان هذه معية خاصة وتلك عامة . ما ظنك باثنين الله ثالثهما
وأما المعية الخاصة فكقوله تعالى لما قال لموسى وهارون : ( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [ سورة طه : 46 ] ، فهذا تخصيص لهما دون فرعون وقومه فهو مع موسى وهارون دون فرعون .
وكذلك لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لأبي بكر لا تحزن إن الله معنا " [15] كان معناه : إن الله معنا دون المشركين الذين يعادونهما [ ص: 374 ] ويطلبونهما كالذين كانوا فوق الغار ولو نظر أحدهم [16] إلى قدميه لأبصر ما تحت قدميه .
وكذلك قوله تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) [ سورة النحل : 128 ] ، فهذا تخصيص لهم دون الفجار والظالمين وكذلك قوله تعالى : ( إن الله مع الصابرين ) [ سورة البقرة : 153 ] تخصيص لهم [17] دون الجازعين .
وكذلك قوله تعالى : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي ) الآية [ سورة المائدة : 12 ] ، وقال : ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ) [ سورة الأنفال : 12 ] .
وفي ذكره [18] سبحانه للمعية عامة تارة وخاصة أخرى : ما يدل على أنه ليس المراد بذلك [19] أنه بذاته في كل مكان ، أو أن وجوده عين وجود المخلوقات ، ونحو ذلك من مقالات الجهمية أو الوحدة الذين يقولون بالحلول العام والاتحاد العام [20] العامة ; لأنه على هذا القول لا يختص بقوم دون قوم ولا مكان دون مكان ، بل هو في الحشوش على هذا القول [ وأجواف البهائم ] [21] ، كما هو فوق العرش [ فإذا أخبر أنه مع قوم دون قوم كان هذا مناقضا لهذا المعنى ; لأنه على هذا القول لا يختص [ ص: 375 ] بقوم دون قوم ، ولا مكان دون مكان ، بل هو في الحشوش على هذا القول كما هو فوق العرش ] [22] .
والقرآن يدل على اختصاص المعية تارة وعمومها أخرى ؛ فعلم أنه ليس المراد بلفظ " المعية " اختلاطه .