الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقول من يقول إنما تخلف من تخلف عن طاعته إما تعظيما لمرتبته أن يمحو اسمه ، أو يقول : مراجعة من راجعه في مصالحة المشركين إنما كانت قصدا لظهور الإيمان على الكفر ونحو ذلك .

                  فيقال : الأمر الجازم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أراد به الإيجاب ، موجب لطاعته باتفاق أهل الإيمان ، وإنما نازع في الأمر المطلق بعض الناس لاحتمال أنه ليس بجازم أراد به الإيجاب ، وأما مع ظهور الجزم والإيجاب فلم يسترب أحد في ذلك .

                  ومعلوم أن أمره بالنحر والحلق كان جازما وكان مقتضاه الفعل على الفور بدليل أنه ردده ثلاثا ، فلما لم يقم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، وروى أنه غضب وقال : مالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا [1] يتبع [2] .

                  وروي أنه قال ذلك لما أمرهم بالتحلل في حجة الوداع .

                  [ ص: 415 ] ومعلوم أن الأمر بالتحلل [3] بهذه العمرة التي أحصروا فيها كان أوكد من الأمر بالتحلل في حج الوداع .

                  وأيضا فإنه كان محتاجا إلى محو اسمه من الكتاب ليتم الصلح ؛ ولهذا محاه بيده ، والأمر بذلك كان جازما . والمخالف لأمره إن كان متأولا فهو ظان أن هذا لا يجب ، لما فيه من قلة احترام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو لما [4] فيه من انتظار العمرة وعدم إتمام ذلك الصلح . فحسب المتأول أن يكون مجتهدا مخطئا فإنه مع جزم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشكيه ممن لم يمتثل أمره وقوله : " ما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر [5] ولا أتبع [6] " لا يمكن [7] تسويغ المخالفة ؛ لكن هذا مما تابوا منه كما تابوا من غيره .

                  فليس لأحد أن يثبت عصمة من ليس بمعصوم ، فيقدح بذلك في أمر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - ، كما فعل ذلك في توبة من تاب ، وحصل له بالذنب نوع من العقاب فأخذ ينفي على الفعل ما يوجب الملام ، والله قد لامه لوم المذنبين [8] فيزيد تعظيم البشر فيقدح [9] في رب العالمين [10] .

                  [ ص: 416 ] ومن علم أن الاعتبار بكمال النهاية ، وأن التوبة تنقل العبد إلى مرتبة أكمل مما كان عليه ؛ علم أن ما فعله الله بعباده المؤمنين كان من أعظم نعم الله عليهم .

                  وأيضا ففي المواضع التي لا يكون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكابر الصحابة إلا واحد كان يكون هو ذلك الواحد ، مثل سفره في الهجرة ومقامه يوم بدر في العريش : لم يكن معه فيه إلا أبو بكر ، ومثل خروجه إلى قبائل العرب يدعوهم إلى الإسلام كان يكون معه من أكابر الصحابة أبو بكر .

                  وهذا الاختصاص في الصحبة لم يكن لغيره باتفاق أهل المعرفة بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأما من كان جاهلا أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كذابا فذلك يخاطب [11] خطاب مثله .

                  فقوله تعالى في القرآن : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن ) [ سورة التوبة : 40 ] لا يختص بمصاحبته في الغار ، بل هو صاحبه المطلق الذي كمل [ في ] الصحبة [12] كمالا لم يشركه فيه غيره ، فصار مختصا بالأكملية [13] من الصحبة .

                  كما في الحديث رواه البخاري عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أيها الناس اعرفوا لأبي بكر حقه ؛ فإنه لم [ ص: 417 ] يسؤني قط ، أيها الناس إني راض عن عمر وعثمان وعلي وفلان وفلان " [14] .

                  فقد تبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ خصه ] [15] دون غيره مع أنه قد جعل غيره من أصحابه أيضا ؛ لكن خصه بكمال الصحبة .

                  ولهذا قال من قال من العلماء : إن فضائل الصديق خصائص لم يشركه فيها غيره .

                  ومن أراد أن يعرف فضائلهم ومنازلهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فليتدبر الأحاديث الصحيحة التى صححها أهل العلم بالحديث الذين كملت خبرتهم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحبتهم له ، وصدقهم في التبليغ عنه وصار هواهم تبعا لما جاء به ، فليس لهم غرض إلا معرفة ما قاله ، وتمييزه عما يخلط بذلك من كذب الكاذبين وغلط الغالطين .

                  كأصحاب الصحيح : مثل : البخاري ، ومسلم ، والإسماعيلي ، [ ص: 418 ] والبرقاني ، وأبي نعيم ، والدارقطني ، ومثل صحيح ابن خزيمة وابن منده [16] وأبي حاتم البستي والحاكم .

                  وما صححه أئمة أهل الحديث [ الذين ] [17] هم أجل من هؤلاء ، أو مثلهم [18] من المتقدمين والمتأخرين ، مثل : مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ، وابن المبارك ، وأحمد ، وابن معين وابن المديني ، وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين ، وخلائق لا يحصي عددهم إلا الله تعالى .

                  فإذا تدبر العاقل الأحاديث الصحيحة الثابتة عند هؤلاء وأمثالهم عرف الصدق من الكذب ؛ فإن هؤلاء من أكمل الناس معرفة بذلك وأشدهم رغبة في التمييز بين الصدق والكذب وأعظمهم ذبا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم المهاجرون إلى سنته وحديثه والأنصار له في الدين يقصدون ضبط ما قاله وتبليغه للناس ، وينفون عنه ما كذبه الكذابون [19] ، وغلط فيه الغالطون ، ومن شركهم في علمهم علم ما قالوه ، وعلم بعض قدرهم ، وإلا فليسلم القوس إلى باريها ، كما يسلم إلى الأطباء طبهم ، وإلى النحاة نحوهم ، وإلى الفقهاء فقههم ، وإلى أهل الحساب حسابهم مع أن جميع هؤلاء قد يتفقون على خطأ في [ ص: 419 ] صناعتهم ؛ إلا الفقهاء فيما [20] يفتون به من الشرع ، وأهل الحديث فيما يفتون به من النقل ، فلا يجوز أن يتفقوا على التصديق بكذب ، ولا على التكذيب بصدق ؛ بل إجماعهم معصوم في التصديق والتكذيب بأخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أن إجماع الفقهاء معصوم [21] في الإخبار عن الفعل بدخوله في أمره أو نهيه ، أو تحليله أو تحريمه .

                  ومن تأمل هذا وجد فضائل الصديق التي في الصحاح كثيرة ، وهي خصائص . مثل حديث المخالة ، وحديث : إن الله معنا ، وحديث إنه أحب الرجال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث الإتيان [22] إليه بعده ، وحديث كتابة العهد إليه بعده ، وحديث تخصيصه بالتصديق [23] ابتداء والصحبة ، وتركه له ، وهو قوله : " فهل أنتم تاركو لي صاحبي " [24] وحديث دفعه عنه عقبة بن أبي معيط لما وضع الرداء في عنقه حتى خلصه أبو بكر ؛ وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ! وحديث استخلافه في الصلاة وفي الحج ، وصبره وثباته بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وانقياد الأمة [ له ] [25] ، وحديث الخصال التي اجتمعت فيه في يوم ، وما اجتمعت في رجل إلا وجبت له الجنة وأمثال ذلك .

                  [ ص: 420 ] ثم له [26] مناقب يشركه فيها عمر كشهادته بالإيمان له ولعمر ، وحديث علي حيث يقول : كثيرا ما كنت أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " خرجت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر " [27] وحديث استقائه من القليب ، وحديث البقرة التي يقول فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أؤمن بها أنا وأبو بكر وعمر " [28] وأمثال ذلك .

                  وأما مناقب علي التي في الصحاح فأصحها قوله : " يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " [29] ، وقوله في غزوة تبوك : " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " [30] ومنها دخوله في المباهلة [31] وفي الكساء [32] ومنها قوله : " أنت مني وأنا منك " [33] ، وليس في شيء من ذلك خصائص . وحديث : " لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " [34] ، ومنها ما تقدم من حديث الشورى وإخبار عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو راض عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن [35] .

                  [ ص: 421 ] فمجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث ، ليس فيها ما يختص به ولأبي بكر في الصحاح [36] نحو عشرين حديثا أكثرها خصائص .

                  وقول من قال : صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره ؛ كذب لا يقوله أحمد ولا غيره [37] من أئمة الحديث ؛ لكن قد يقال : روي له ما لم يرو لغيره ، لكن أكثر ذلك من نقل من علم كذبه أو خطؤه ؛ ودليل واحد صحيح المقدمات سليم عن المعارضة خير من عشرين دليلا مقدماتها ضعيفة ، بل باطلة ، وهي معارضة بأصح منها يدل على نقيضها .

                  والمقصود هنا بيان اختصاصه في الصحبة الإيمانية بما لم يشركه مخلوق ، لا في قدرها ولا في صفتها ولا في نفعها [38] ، فإنه لو أحصي الزمان الذي كان يجتمع فيه أبو بكر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، والزمان الذي كان يجتمع فيه عثمان أو علي [39] أو غيرهما من الصحابة لوجد ما يختص به أبو بكر أضعاف ما اختص به واحد منهم لا أقول ضعفه [40] .

                  وأما المشترك بينهم فلا يختص به واحد .

                  وأما كمال معرفته ومحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتصديقه له فهو [ ص: 422 ] مبرز في ذلك على سائرهم تبريزا باينهم فيه مباينة لا تخفى على من كان له معرفة بأحوال القوم ومن لا معرفة له بذلك لم تقبل شهادته .

                  وأما نفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاونته له على الدين فكذلك .

                  فهذه الأمور التي هي مقاصد الصحبة ومحامدها التي بها يستحق الصحابة [41] أن يفضلوا بها على غيرهم لأبي بكر فيها من الاختصاص بقدرها ونوعها وصفتها وفائدتها ما لا يشركه فيه أحد .

                  ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي الدرداء قال كنت جالسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أقبل أبو بكر آخذا بطرق ثوبه حتى أبدي عن ركبتيه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما صاحبكم فقد غامر فسلم " ، وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك [42] ، فقال : " يغفر الله لك يا أبا بكر " ثلاثا ، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر ؟ قالوا : لا ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه وقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم . مرتين ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صدق . وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي " . مرتين . فما أوذي بعدها [43] .

                  [ ص: 423 ] وفي رواية : كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر [44] فانصرف عنه مغضبا فأتبعه أبو بكر يسأله أن يغفر له ؛ فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه ؛ فأقبل أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . . الحديث . قال : وغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه : " إني قلت يا أيها الناس : إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت " [45] .

                  فهذا الحديث الصحيح فيه تخصيصه بالصحبة في قوله : " فهل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ " وبين فيه من أسباب ذلك : أن الله لما بعثه إلى الناس قال : " إني رسول الله إليكم جميعا " ، قالوا : كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت ؛ فهذا يبين فيه أنه لم يكذبه قط ، وأنه صدقه [46] حين كذبه الناس طرا .

                  وهذا ظاهر في أنه صدقه قبل أن يصدقه أحد من الناس الذين بلغهم الرسالة وهذا [47] حق فإنه أول ما بلغ الرسالة فآمن [48] .

                  وهذا موافق لما رواه مسلم عن عمرو بن عبسة ، قلت : يا رسول الله من معك على هذا الأمر ؟ قال : " حر وعبد " ومعه يومئذ أبو بكر وبلال [49] .

                  [ ص: 424 ] وأما خديجة وعلي وزيد ؛ فهؤلاء كانوا من عيال النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي بيته وخديجة عرض عليها أمره لما فجأه الوحي ، وصدقته ابتداء قبل أن يؤمر بالتبليغ وذلك قبل أن يجب الإيمان به فإنه إنما يجب إذا بلغ الرسالة فأول من صدق به بعد وجوب الإيمان به أبو بكر من الرجال ، فإنه لم يجب عليه أن يدعو عليا إلى الإيمان ؛ لأن عليا كان صبيا ، والقلم عنه مرفوع .

                  ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالإيمان وبلغه الرسالة قبل أن يأمر أبا بكر ويبلغه ولكنه كان في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمكن أنه آمن به لما سمعه يخبر خديجة وإن كان لم يبلغه ؛ فإن ظاهر قوله : " يا أيها الناس إني أتيت إليكم فقلت : إني رسول الله إليكم ، فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت " كما في الصحيحين [50] يدل على أن كل من بلغه الرسالة كذبه أولا إلا أبا بكر .

                  ومعلوم أن خديجة وعليا وزيدا كانوا في داره ، وخديجة لم تكذبه فلم تكن داخلة فيمن بلغ .

                  [ ص: 425 ] وقوله في حديث عمرو بن عبسة : قلت : يا رسول الله من معك على هذا الأمر ؟ قال : " حر وعبد " [51] .

                  والذي في صحيح مسلم موافق لهذا ، أي : اتبعه من المبلغين المدعوين ، ثم ذكر قوله : " وواساني بنفسه وماله " [52] ، وهذه خاصة لم يشركه فيها أحد .

                  وقد ذكر هذا [ النبي ] - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث المخالة التي هي متواترة عنه ، كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس على المنبر ؛ فقال : " إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الحياة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر ، وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، قال : فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا به ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن من [53] آمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر [54] ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ؛ ولكن أخوة الإسلام . لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر " وفي رواية للبخاري [55] : " لو كنت متخذا خليلا غير ربي [56] لاتخذت [57] أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام [ ص: 426 ] ومودته . * وفي رواية " إلا خلة الإسلام " . وفيه : " قال : فعجبنا له ، وقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ ، يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه الله من زهرة الحياة [58] الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا . وفي رواية : " وبين ما عنده فاختار ما عنده " ، وفيه فقال : " لا تبك إن آمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته * [59] لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر " [60] .

                  وروى البخاري من حديث ابن عباس قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : " إنه ليس أحد من الناس آمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر " .

                  وفي رواية : " لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته ، ولكن أخوة الإسلام أفضل " .

                  وفي رواية : " ولكن أخي وصاحبي " .

                  ورواه البخاري عن ابن الزبير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه [ ص: 427 ] وسلم - : " لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا * لاتخذته يعني أبا بكر .

                  ورواه مسلم عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لو كنت متخذا خليلا * [61] لاتخذت أبا بكر خليلا ؛ ولكن أخي وصاحبي ، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا " .

                  وفي رواية : " لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة ؛ ولكن صاحبكم خليل الله " .

                  وفي أخرى : " ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله [62] ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا إن صاحبكم خليل الله " [63] .

                  فهذه النصوص كلها مما تبين اختصاص أبي بكر من فضائل الصحبة ومناقبها والقيام [ بها ] وبحقوقها [64] بما لم يشركه فيه أحد حتى استوجب أن يكون خليله دون الخلق ، لو كانت المخالة ممكنة .

                  وهذه النصوص صريحة بأنه أحب الخلق إليه وأفضلهم عنده كما صرح بذلك في حديث عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل ؛ قال : " فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة قلت [65] : فمن الرجال ؟ قال : " أبوها " قلت : ثم من ؟ قال عمر : وعد رجالا " . وفي رواية للبخاري : " قال : فسكت مخافة أن يجعلني آخرهم " [66] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية