الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  قال القاضي أبو بكر بن الطيب [1] : وقد اتفق جميع الباطنية وكل مصنف لكتاب ورسالة منهم في ترتيب الدعوة المضلة على أن من سبيل الداعي إلى دينهم ورجسهم المجانب لجميع أديان الرسل والشرائع أن يجيب [2] الداعي إليه الناس بما يبين وما يظهر له من أحوالهم [ ص: 480 ] ومذاهبهم ، وقالوا لكل داع لهم إلى ضلالتهم ما أنا حاك لألفاظهم وصيغة قولهم بغير زيادة ولا نقصان ليعلم بذلك كفرهم وعنادهم لسائر [3] الرسل والملل فقالوا للداعي : " يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلما : أن تجعل التشيع عنده دينك وشعارك ، واجعل المدخل عليه من جهة ظلم السلف وقتلهم الحسين [4] وسبيهم نساءه [5] وذريته والتبري من تيم وعدي ومن بني أمية وبني العباس ، وأن تكون قائلا بالتشبيه والتجسيم والبدء والتناسخ والرجعة والغلو ، وأن عليا [6] إله يعلم الغيب مفوض [7] إليه خلق العالم ، وما أشبه ذلك من أعاجيب الشيعة [8] وجهلهم ، فإنهم أسرع إلى إجابتك بهذا الناموس حتى تتمكن [9] منهم مما [10] تحتاج إليه أنت ومن بعدك ، ممن تثق به من أصحابك فترقيهم إلى حقائق الأشياء حالا فحالا ، ولا تجعل كما جعل المسيح ناموسه في زور [11] موسى القول بالتوراة وحفظ السبت ، ثم عجل وخرج عن الحد ، وكان له ما كان يعني من قتلهم له بعد تكذيبهم إياه وردهم عليه وتفرقهم عنه فإذا آنست من بعض الشيعة عند الدعوة إجابة ورشدا أوقفته على مثالب علي وولده ، وعرفته حقيقة الحق لمن هو وفيمن هو وباطل بطلان [12] كل ما عليه أهل ملة محمد صلى الله عليه وسلم وغيره [ ص: 481 ] من الرسل ، ومن وجدته صابئا فأدخله مداخله بالأشانيع [13] وتعظيم الكواكب ، فإن ذلك ديننا وجل مذهبنا في أول أمرنا ، وأمرهم من جهة الأشانيع يقرب عليك أمره جدا ومن وجدته مجوسيا اتفقت معه في الأصل في الدرجة الرابعة من تعظيم النار والنور والشمس والقمر واتل عليهم أمر السابق [14] ، وأنه نهر من الذي [15] يعرفونه ، وثالثه المكنون من ظنه [16] الجيد والظلمة المكتوبة فإنهم مع الصابئين أقرب الأمم إلينا ، وأولاهم بنا لولا يسير صحفوه بجهلهم به " ، قالوا : " وإن ظفرت بيهودي فادخل عليه من جهة انتظار المسيح ، وأنه المهدي الذي ينتظره المسلمون بعينه ، وعظم السبت عندهم وتقرب إليهم بذلك ، وأعلمهم أنه مثل يدل على ممثول ، وأن ممثوله [17] يدل على السابع المنتظر يعنون محمد بن إسماعيل بن جعفر ، وأنه دوره ، وأنه هو المسيح وهو المهدي وعند معرفته تكون [18] الراحة من الأعمال ، وترك التكليفات كما أمروا بالراحة يوم السبت ، وأن راحة السبت هو دلالة على الراحة من التكليف والعبادات في دور السابع المنتظر ، وتقرب من قلوبهم بالطعن على النصارى والمسلمين الجهال الحيارى الذين يزعمون أن عيسى [ ص: 482 ] لم يولد ولا أب له ، وقو في نفوسهم أن يوسف النجار أبوه وأن مريم أمه ، وأن يوسف النجار كان ينال منها ما ينال الرجال من النساء ، وما شاكل ذلك فإنهم لن يلبثوا أن يتبعوك " .

                  قال : " وإن وجدت المدعى نصرانيا فادخل عليه بالطعن على اليهود والمسلمين جميعا ، وصحة قولهم في الثالوث ، وأن الأب والابن وروح القدس صحيح وعظم الصليب عندهم ، وعرفهم تأويله .

                  وإن وجدته مثانيا ، فإن المثانية [19] تحرك الذي منه يعترف ، فداخلهم بالممازجة [20] في الباب السادس في الدرجة السادسة من حدود البلاغ التي يصفها [21] من بعد ، وامتزج بالنور وبالظلام [22] ، فإنك تملكهم بذلك ، وإذا آنست من بعضهم رشدا فاكشف له الغطاء .

                  ومتى وقع إليك فيلسوف فقد علمت أن الفلاسفة هم العمدة لنا ، وقد أجمعنا [ نحن ] [23] ، وهم على إبطال نواميس الأنبياء وعلى القول بقدم العالم لولا ما يخالفنا بعضهم من أن للعالم مدبرا لا يعرفونه ، فإن [24] وقع الاتفاق منهم على أنه لا مدبر للعالم فقد زالت الشبهة بيننا وبينهم .

                  وإذا وقع لك ثنوي منهم فبخ بخ ، قد ظفرت يداك [25] بمن يقل معه تعبك والمدخل عليه بإبطال التوحيد ، والقول بالسابق والتالي ورتب له ذلك على ما هو مرسوم لك في أول درجة البلاغ وثانيه وثالثه .

                  [ ص: 483 ] وسنصف لك عنهم من بعد ، واتخذ غليظ العهود ، وتوكيد الأيمان وشدة المواثيق جنة لك وحصنا ، ولا تهجم على مستجيبك بالأشياء [26] الكبار التي يستبشعونها حتى ترقيهم إلى أعلى المراتب : حالا فحالا ، وتدرجهم درجة درجة على ما سنبينه من بعد ، وقف بكل فريق حيث احتمالهم ، فواحد لا تزيده على التشيع والائتمام بمحمد بن إسماعيل ، وأنه حي ، لا تجاوز به هذا الحد ، لا سيما إن كان مثله ممن يكثر به وبموضع اسمه وأظهر له العفاف عن الدرهم والدينار ، وخفف عليه وطأتك مرة بصلاة [27] السبعين ، وحذره الكذب والزنا واللواط وشرب النبيذ ، وعليك في أمره بالرفق والمداراة له والتودد وتصبر له إن كان هواه متبعا لك تحظ [28] عنده ، ويكون لك عونا على دهرك ، وعلى من لعله يعاديك [29] من أهل الملل ، ولا تأمن أن يتغير عليك بعض أصحابك ولا تخرجه [30] عن عبادة إلهه ، والتدين بشريعة محمد نبيه صلى الله عليه وسلم والقول بإمامة علي وبنيه إلى محمد بن إسماعيل ، وأقم له دلائل الأسابيع فقط ودقه بالصوم والصلاة دقا وشدة الاجتهاد فإنك يومئذ إن أومأت إلى كريمته [31] فضلا عن ماله لم يمنعك ، وإن أدركته الوفاة فوض إليك ما خلفه ، وورثك إياه ولم ير في العالم من هو أوثق منك ، وآخر ترقيه إلى نسخ شريعة محمد ، وأن السابع هو الخاتم للرسل ، وأنه ينطق كما ينطقون ويأتي بأمر جديد ، وأن محمدا صاحب [ ص: 484 ] الدور السادس وأن عليا لم يكن إماما ، وإنما كان سوسا [32] لمحمد وحسن القول فيه وإلا سياسية [33] ، فإن هذا باب كبير ، وعمل عظيم منه ترقى إلى ما هو أعظم منه ، وأكبر منه ويعينك على زوال ما جاء به من قبلك ، من وجوب زوال النبوات على المنهاج الذي هو عليه ، وإياك أن ترتفع من هذا الباب إلا إلى من تقدر فيه النجابة [34] ، وآخر ترقيه من هذا إلى معرفة القرآن ومؤلفه وسببه وإياك أن تغتر بكثير ممن يبلغ معك إلى هذه المنزلة ، فترقيه إلى غيرها ألا يغلطون المؤانسة والمدارسة ، واستحكام الثقة به ، فإن ذلك يكون لك عونا على تعطيل النبوات ، والكتب التي يدعونها منزلة من عند الله ، وآخر ترقيه إلى إعلامه أن القائم قد مات ، وأنه يقوم روحانيا ، وأن الخلق يرجعون إليه بصورة روحانية تفصل بين العباد بأمر الله عز وجل ويستصفي [35] المؤمنين من الكافرين بصور روحانية ، فإن ذلك يكون أيضا عونا لك عند إبلاغه إلى إبطال المعاد الذي يزعمونه والنشور من القبر .

                  وآخر ترقيه من هذا إلى إبطال أمر الملائكة في السماء والجن في الأرض ، وأنه كان قبل آدم بشر كثير ، وتقيم على ذلك الدلائل المرسومة في كتبنا ، فإن ذلك مما يعينك وقت بلاغه على تسهيل التعطيل للوحي [36] والإرسال إلى البشر بملائكة ، والرجوع إلى الحق [37] ، والقول بقدم العالم .

                  [ ص: 485 ] وآخر ترقيه إلى أوائل درجة التوحيد ، وتدخل عليه بما تضمنه كتابهم المترجم بكتاب " الدرس الشافي للنفس " من أنه لا إله ولا صفة ولا موصوف ، فإن ذلك يعينك على القول بالإلهية لمستحقها عند البلاغ " .

                  وإلى ذلك يعنون بهذا أن كل داع منهم يترقى درجة درجة إلى أن يصير إماما ناطقا ، ثم ينقلب إلها روحانيا على ما سنشرح قولهم فيه من بعد .

                  قالوا : " ومن بلغته إلى هذا المنزلة فعرفه [38] حسب ما عرفناك من حقيقة أمر الإمام ، وأن إسماعيل وأباه محمدا [39] كانا من نوابه ، ففي ذلك [40] عون لك على إبطال إمامة علي وولده عند البلاغ والرجوع إلى القول بالحق " ، ثم لا يزال كذلك شيئا فشيئا حتى يبلغ الغاية القصوى على تدريج يصفه عنهم فيما بعد .

                  قال القاضي : " فهذه وصيتهم جميعا للداعي إلى مذاهبهم وفيها أوضح دليل لكل عاقل على كفر القوم وإلحادهم ، وتصريحهم بإبطال حدوث العالم ومحدثه وتكذيب ملائكته ورسله وجحد المعاد والثواب والعقاب وهذا هو الأصل لجميعهم وإنما يتمخرقون بذكر الأول ، والثاني ، والناطق والأساس ، إلى غير ذلك ويخدعون به الضعفاء حتى إذا استجاب لهم مستجيب أخذوه بالقول بالدهر والتعطيل [41] .

                  [ ص: 486 ] وسأصف من بعد من عظيم سبهم لجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وتجريدهم القول بالاتحاد ، [42] وأنه نهاية دعوتهم ما يعلم به كل قار له عظيم [43] كفرهم وعنادهم للدين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية